فلسطين أون لاين

الفلسطينيون يتجشمون مشقة الحفاظ على أراضيه

تقرير "جبل الريسان".. كنز زراعي الوصول إليه محفوف بالعناء

...
جبل الريسان
رام الله/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

منذ سنوات طويلة والمواطن أبو شعبان نوفل في سجال مرير مع المستوطنين المحيطين بجبل الريسان غرب مدينة رام الله. ورغم العقبات التي يضعونها في وجه وصوله لأرضه فإنه يصمم على الذهاب لها مهما كلفه ذلك من ثمن، مصمماً على الثبات في وطنه، وموقناً بأن الاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن.

فأبو شعبان (66 عاماً) من قرية رأس كركر يخوض صراعًا مضنيًا مع المستوطنين المصممين على مصادرة أرضه، وتعرض للاستهداف مرات عديدة بإطلاق النار والضرب والاعتقال.

يتحدث لـ"فلسطين" بمرارة عمّا يمر به من صعوبات بالغة في أثناء محاولته زيارة أرضه، قائلاً: "منذ فترة وجيزة وجدنا مستوطنين يجرفون في أراضينا في وقتٍ متأخر من الليل، فنادت مكبرات الصوت في المسجد لتجمع المواطنين للذهاب لمواجهتهم".

ويضيف: "وجدنا ثمانية مستوطنين سألناهم ماذا تفعلون هنا؟ فادعوا أن الأرض لهم وأنهم يمتلكون أوراقًا ثبوتية بذلك، وعند تصميمنا على ملكيتنا للأرض استنجدوا بقوات الاحتلال التي هرعت للمنطقة".

ويتابع: "طلب منا قائد الدورية أنْ نعيش معًا كجيران وأن نتركهم يأخذون الأرض، فكان ردنا عنيفاً بأن هذه أرضنا ولا يمكننا التعايش مع هؤلاء المجرمين الذين يطلقون النار على أي فلسطيني ويعدمونه، ولم نترك الأرض حتى خرجوا منها".

مطمع استيطاني

ويشير نوفل إلى أن جبل الريسان يمثل مطمعاً للاحتلال الذي يحاول مصادرته منذ عام 1983 لأهميته العسكرية حيث كان خط الدفاع الثاني للجيش الأردني، لذلك أصدرت الإدارة المدنية التابعة للجيش حينها أمر مصادرة لتلك المواقع، ومن ذلك الحين وهي تنغص حياة الفلسطينيين في المكان.

ولا يفتأ المستوطنون في المنطقة عن ابتكار الأساليب الاستفزازية للمواطنين في سبيل السيطرة على الأرض، فهم يتعرضون للمواطنين في أثناء ذهابهم لأراضيهم بإطلاق النار والاعتداء ويمنعون المياه عن المنطقة، كما أنهم أنشؤوا بوابة في المنطقة يمارسون عندها الاعتداءات بحق المواطنين، "فالاعتداءات بحقنا هناك يومية".

وفي الوقت نفسه فإن جيش الاحتلال في صف المستوطنين بشكل مفروغٍ منه، فهم يهرعون لحمايتهم، "حتى إن أحد الجنود أخبرني بأنهم موجودون في أراضي الضفة الغربية لهدف واحد فقط وهو حماية المستوطنين وأنهم لن يقفوا يوماً معنا"، يضيف نوفل.

وأغلب الأراضي في الجبل، تسلم أصحابها أوامر مصادرة من قبل الاحتلال، وفي موسم الزيتون تتضاعف الاعتداءات عليهم.

ويروي: "في أحد المواسم في أثناء جمعنا لمحصول الزيتون داهمنا عدة مستوطنين مسلحين ورموا ما جمعناه على الأرض وأطلقوا النار على عجلات التراكتورات فتعطلت عن العمل.. كثيراً ما فعلوا ذلك في آلياتنا وسياراتنا".

وقبل عدة سنوات، قص المستوطنون بالمناشير كرم زيتون روماني للمواطن نوفل (قرابة ستين شجرة)، "هذه الأشجار عمرها يزيد على خمسة آلاف عام من قبل وجودهم على أرضنا، أحدثوا خسائر كبيرة في قلبي ونفسي ومالي، فما فعلوه من تخريب يحتاج لعشرين عاماً حتى تعود الأشجار لسابق عهدها".

مشقة الوصول

وفي رأس كركر أيضاً (إحدى القرى التي يقع فيها جبل الريسان) فإن المسؤولين يعانون كغيرهم من المواطنين، فرئيس المجلس القروي مروان نوفل (60 عاماً) يعاني هو الآخر مشقةَ الوصول لأرضه فيه، ورغم ذلك فإيمانه بأن العمر بيد الله يدفعه للذهاب لأرضه بشكل دوري رغم المخاوف الكبيرة.

ويضيف: "يمنعون الآليات من الوصول، لذلك أحمل أدوات تقليدية كالمنشار والمقص وأقطع طرقاً وعرة لتقليم أشجار الزيتون في أرضي البالغة أربعين دونماً، وفي كل مرة يتعرض لي المستوطنون ويحاولون منعي لكنني لا يمكن أن أترك أرضي لهم مهما كلفني ذلك من ثمن".

ويبين نوفل أن جبل الريسان جزء من قرية رأس كركر التاريخية ويتعرض لهجمة استيطانية شرسة، فالقرية محاطة بالمستوطنات والطرق الالتفافية من كل الجهات.

ويشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع المواطنين من الوصول لأراضيهم هناك في الجبل في محاولة لدفعهم لتركها لينهبها الاستيطان، ويمنع الاحتلال البلدية من شق طرق زراعية لتسهيل وصول المزارعين للجبل، إلى جانب سيطرة المستوطنين على "نبع عينير" الواقع بين دير عمار ورأس كركر والذي كان يستخدمه مزارعو الجبل في ري أراضيهم.

ويلفت إلى أن للجبل أهمية إستراتيجية، إذ يطل على الساحل الفلسطيني ومساحة أراضيه قرابة 600 دونم زراعي تشترك فيها قرى "رأس كركر" و"كفر نعمة" و"خربثا بني حارث".

ويشير إلى أن المستوطنين أقاموا مستوطنة رعوية على الجبل أسموها "سديه أفرايم" وبحماية من جيش الاحتلال يضايقون المواطنين ويمنعونهم من الوصول لأراضيهم.

وفي ظل هذا التغول فإن الوصول للأرض أمر شاق جداً؛ إذ يسلك المواطنون طرقاً وعرة تلحق الضرر بمركباتهم. كما أن مالكيْ التراكتورات يعزفون عن حراثة الأراضي في المنطقة لأن الاحتلال يحتجز آلياتهم ويوقع بحقهم غرامات باهظة، ويدعي الاحتلال أن أراضي الجبل هي أملاك دولة يحق له منحها للمستوطنين، رغم وجود أصحابها الفلسطينيين ومعهم أوراقهم الثبوتية، وفق نوفل. 

فإلى الغرب من مدينة رام الله، يقع جبل الريسان متوسطاً قرى رأس كركر وخربثا بني حارث، وكفر نعمة ودير بزيغ، وظل لفترة طويلة متنفسا لتلك القرى، وملاذ سكانها عندما تضيق بهم الحياة.

تعود أطماع الاحتلال في جبل الريسان إلى ثمانينيات القرن الماضي وتحديدا في عام 1983، عندما وضع يده على أكثر من ألف دونم وصادرها بحجة أنها أصبحت أراضي دولة.