تشهد مدن الضفة الفلسطينية تصاعدًا مستمرًّا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تطورت المقاومة اليوم إلى مقاومة مسلحة وعمليات فدائية مختلفة في كل الميادين والساحات الفلسطينية، دفاعًا عن الأسرى والمسرى، وهما القضيتان الأكثر سخونة، إضافة إلى ذلك جرح غزة الذي لا يزال ينزف من ويلات الحروب والحصار الإسرائيلي المتواصل عليها، هذه القضايا التي أثارت حفيظة الفلسطينيين في الضفة وقد عبروا عنها بدمائهم الزكية في مقاومة الاحتلال بما أصبح يعرف بـ“جز بجز”.
لقد قفزت سلطات الاحتلال في الأيام القليلة الماضية قفزة لا تحمد عقباها في غلوها بسياسة الاعتقالات في الضفة الفلسطينية، تطبيقًا لسياسة ما يطلق عليه الاحتلال "جز العشب" والمقصود به “جز الشعب”، أي عدم السماح للشعب الفلسطيني بمقاومته والرضا بسياسة الواقع الذي يفرضه الاحتلال وتقبل سياساته الاستيطانية والتهوية، وإدامة الحصار على غزة. ولعل أكثر الفئات التي يستهدفها الاحتلال الإسرائيلي من خلال عمليات الاعتقالات هذه هي فئة الشبان الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم بين الـ18 والـ24 سنة، وأيضًا فئة الأطفال الفلسطينيين الذين لا يتجاوز عمرهم الـ17. وأما الفئة الأخرى التي دائمًا وأبدًا يستهدفها هي فئة الناشطين الفلسطينيين، أو القيادات الفلسطينية، على سبيل المثال حركة حماس يطالها دائمًا في الاعتقال الإداري النصيب الأكبر، تليها حركة الجهاد الإسلامي ومن ثم حركة فتح وسائر الفصائل الفلسطينية الأخرى.
حكومة لابيد واضح أنها تريد أن تثبت للمجتمع الإسرائيلي من خلال الدعاية الانتخابية القادمة أن هذه الحكومة الحالية هي قادرة على أن تستمر في قيادة المجتمع الإسرائيلي من خلال الاعتقالات التي نشاهدها صباح مساء، ومن خلال الاقتحامات للمدينة المقدسة إلى جانب الاقتحامات في جنين ونابلس وباقي مدن الضفة وكذلك قصف غزة والاستمرار في حصارها، لكن الواقع يقول غير ذلك، فالاحتلال الإسرائيلي يعيش هذه الأيام وقتًا من انعدام الأمن والاستقرار لا يحسد عليه، لحالة الاستنزاف المتواصل له من المقاومة في أرجاء الضفة الفلسطينية، وقد سقطت مقولة بينيت: “سأجلب الأمن للإسرائيليين”، كما سقطت من قبل مقوله جولدا مائير: يموت الكبار وينسى الصغار، فلا هذا صح ولا ذاك تحقق، وكما يقولون: “أتت الرياح بما لا تشتهي السفن”، فاليوم الذي يقود المقاومة والانتفاضة هو الجيل الشبابي البطل، صحيح أن هذا الجيل لم يشاهد المجازر الصهيونية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني من دير ياسين وكفر قاسم وربما لم يعي مجازر المخيمات الفلسطينية في لبنان على رأسها صبرا وشاتيلا والنهر البارد، إلا أنه عايش الانتفاضات الفلسطينية وشاهد بأم عينه المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية في أثناء حروبها على غزة، إضافة إلى المجازر التي اقترفتها جهارًا نهارًا في الضفة، وحرق البيوت وتحقيق المزروعات، وسرقة الأراضي والاعتداءات اليومية على الأقصى، فهل نسي هذا الجيل المقاوم؟
أعتقد أن تراكم فشل الاحتلال الإسرائيلي أمنيًّا وعسكريًّا، في إحراز أي مكاسب سياسية من “جز العشب” أو “كي الوعي”، الذي يرى أنه من خلال عمليات الاعتقال اليومية والملاحقة والمداهمة والمطاردة والتصفيات للفلسطينيين يستطيع أن يمنع المقاومة الفلسطينية من أن تتحول من مقاومة فردية إلى مقاومة جماعية أو مقاومة منظمة، وربما الأكثر توقعًا، خشيته من اندلاع انتفاضة ثالثة تجوب كل الأراضي الفلسطينية تقلب الموازين رأسًا على عقب، على غرار الانتفاضات السابقة.