فلسطين أون لاين

أسرانا أحياء في سجونهم ينتصرون

عندما يتخذ الأسرى قرارًا بالإضراب فإنه يمرُّ بمراحل يجري فيها إعداده على نار هادئة، تُطرح الفكرة على قواعد التنظيمات وتُعقد جلسات مناقشة ثم يكون الاستفتاء العام لتفوق نسبة الموافقين على الإضراب التسعين بالمائة ثم يناقش موضوع التوقيت المناسب مناخيًّا وسياسيًّا ثم تبدأ التهيئة والسير وفق خطة مدروسة، ويكون التواصل بين التنظيمات على أفضل وجه للوصول إلى إضراب موحَّد تشارك فيه كل الفصائل، ومن الخطة التواصل مع الخارج وتهيئة الأجواء لتحريك الشارع الفلسطيني جيِّدًا وكذلك التواصل مع الإعلام للوصول إلى أفضل تغطية إعلامية ممكنة.

هذه المرَّة تحققت أغلب النقاط التي من شأنها أن تخرج إضرابًا ناجحًا، فقد تحققت الوحدة واصطفاف الكلّ الفصائلي دون أي استثناء، وتهيأت الأجواء خارج السجون أفضل تهيئة ممكنة، وعقد الأسرى عزمهم على الشروع في الإضراب وفق خطة متدحرجة بحيث تكون البداية مع ألف، ففاقت التوقّع وقرّر المشاركة ألف ومائتان، وكان فيهم من الأسرى القدامى والمؤبدات، ما شكّل ثقلًا كبيرًا وازنًا كان من شأنه أن يلهب الشارع الفلسطيني ويحقّق حراكًا كبيرًا.

أتوقّع من خلال رؤيتي للمشهد الإسرائيلي أن تقدير الموقف عندهم قد أنذر بمخاطر وتوقّعات قاسية على أمنهم وأن مردود هذا الإضراب سوف يفضي إلى نتائج غير متوقعة وقد لا تحمد عقباها، وأن الوضع الانتخابي عندهم سوف يتأثّر تأثرًا كبيرًا، وأنّ هناك خسارة كبيرة لبعض الأحزاب التي تشكل الحكومة اليوم لو انتصر الأسرى ووصلوا إلى مطالبهم، وأن التراجع أوّل الأمر خير من التراجع بعد تدحرج الأمور لصالح الأسرى في السجون.

وهنا لا بدّ من استخلاص العبر والوصول إلى الأسباب التي أدّت إلى تحقيق نجاح الإضراب قبل الشروع فيه، أذكر منها:

  • وحدة الأسرى وقرارهم دخول الإضراب موحدين وهذه رسالة جليّة وواضحة للخارج تقضي بضرورة نبذ الانقسام وتوحيد الجبهة الفلسطينية وصولًا إلى برنامج نضالي موحّد.

  • أثبت ما جرى أننا نمتلك القدرة على إدارة المعركة والتخطيط لها وحشد كل إمكاناتها وصولًا إلى أهدافها وأن علينا ألَّا نقلّل من ثقتنا بما لدينا من قدرات وألَّا نخفض سقف توقعاتنا أبدًا.

  • أن نبني على هذه الخطوة الناجحة خطواتنا التالية بالمزيد من رصّ الصفوف وتوسيع أفق الحوار وتكثيف الجهود للعمل المشترك بحيث يصبح ديدننا والصفة الدائمة التي تجمع شتاتنا وتعزّز عوامل انتصارنا في المعارك القادمة. 

  • تكثيف التواصل بين داخل السجون وخارجها على أنها جبهة واحدة متكاملة فأسرانا ليسوا حالة إنسانية ينبغي التضامن معها والشعور بمعاناتها بل هم قلب المعركة وهم جزء أساسي من القرار السياسي الفلسطيني وهكذا ينبغي التعامل معهم على أنهم بالفعل لا بالشعار قادة وفي مقدمة الصفوف وسبّاقون في ميادين العمل السياسي والثقافي والاجتماعي، فعلينا ألَّا نحسب أسرانا أمواتًا في سجونهم بل هم أحياء ينتصرون ويصدّرون لنا الفكرة والموقف والخطة والقرار وسبل الانتصار والارتقاء في كل مجالات الحياة.