يرى مسؤولون وقانونيون أن رفض (إسرائيل) إصدار تأشيرات جديدة أو تجديد القديمة لموظفي مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المتواجدين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعكس إدراكها الشديد لحجم الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني.
ويترافق هذا مع تأكيد مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، أن قرار الاحتلال هذا لن يمنع المفوضية من الاستمرار في رصد حالة حقوق الإنسان ميدانيًا في الأراضي المحتلة، والإبلاغ عنها.
وقالت باشيليت: إنه "في عام 2020، لم يكن أمام الموظفين الدوليين الـ15 العاملين في مكاتب الأمم المتحدة القائمة في فلسطين منذ 26 عامًا، خيار آخر سوى مغادرة البلاد؛ ولمدة عامين، لم يتم الرد على الطلبات اللاحقة لإصدار تأشيرات جديدة أو تجديد تلك القديمة، وخلال تلك الفترة، حاولتُ إيجاد حل لهذا الوضع، لكنّ (إسرائيل) تواصل رفض الانخراط معنا".
وبينما طالبت باشيليت، (إسرائيل) بصفتها عضو في الأمم المتحدة بـ"التعاون بحسن نية مع المنظمة ومنح مسؤوليها الامتيازات والحصانات اللازمة لممارسة وظائفهم بشكل مستقل"، دعت حكومة الاحتلال إلى ضرورة الوفاء بالتزاماتها الدولية في هذا المجال.
استهداف المؤسسات
وكانت قوات الاحتلال، خلال أغسطس/ آب الماضي، اقتحمت 7 مؤسسات حقوقية وأهلية، في مدينتي رام الله والبيرة، وقررت إغلاقها، وهي: مؤسسات الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، الحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان العمل الصحي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء.
ولاقى انتهاك الاحتلال هذا ردود فعل محلية ودولية مناوئة ومنددة.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في فلسطين شادي عثمان: إن موقف الاتحاد يرفض ما قامت به (إسرائيل)، حيث تم إصدار أكثر من بيان كما تم التواصل مع سلطات الاحتلال ليس فقط من خلال الاتحاد الأوروبي بل من مختلف الدول الأوروبية التي عقدت اجتماعًا بعد الانتهاكات التي نفذتها سلطات الاحتلال.
وأضاف عثمان لصحيفة "فلسطين"، أن رسالة الموقف الأوروبي الرافضة لهذه الإجراءات وصلت إلى (إسرائيل)، وتمت مطالبتها بشكل قوي ومباشر بوقف هذه الإجراءات وعدم القيام بأي إجراءات من هذا القبيل.
وبين أن الاتحاد الأوروبي طالب بشكل مباشر (إسرائيل) بعدم وضع أي عقبات أمام عمل هذه المؤسسات، كما أن الاتحاد الأوروبي استأنف دعم وتمويل مؤسسات فلسطينية لديها مشاريع مشتركة ضمن إجراءات الاتحاد الأوروبي مقابل التصدي لانتهاكات إسرائيلية تهدف إلى الحد من عمل هذه المؤسسات.
كشف الجرائم
وقال مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان علاء السكافي: إن قرار الاحتلال القاضي بمنع الحقوقيين وممثلي الأمم المتحدة من الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، غير مستغرب على هذا الكيان.
وأضاف السكافي لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال في مراحل سابقة منع لجان تقصي حقائق -التي تشكلت بقرار من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة- من الوصول إلى الأراضي المحتلة، وهذه اللجان كانت ستحقق في انتهاكات الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين والعدوان العسكري المتكرر على غزة.
ورأى أن استمرار صمت المجتمع الدولي وأجسام الأمم المتحدة ومؤسساتها وهيئاتها وأمينها العام أنطونيو غوتيريش، على جرائم الاحتلال شجع الأخير على اتخاذ قرار يحول دون بقاء ممثلي مفوضية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية للكشف عن جرائمه.
وبيَّن أن الاحتلال يرتكب جرائم متعددة من خلال عمليات الفصل العنصري، وهو يمعن ويوغل أيضًا في انتهاكاته بحق المدنيين العزل في الأراضي المحتلة بسلسلة طويلة من إجراءات التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد أن عدم وقوف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشكل حقيقي وجاد تجاه انتهاكات الاحتلال وجرائمه بحق الفلسطينيين، دفع دولة الاحتلال إلى التغول أكثر في ارتكاب المزيد من الانتهاكات و"ممارسة شريعة الغاب"، ويثبت ذلك قيام ممثل كيان الاحتلال في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتمزيق التقرير الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
وعدَّ السكافي أن ذلك دليل على أن الاحتلال لا يبدي أي اهتمام للاتفاقيات والمواثيق الدولية، ولا حتى الأمم المتحدة وهيئاتها، وأبدى أسفه على انتخاب (إسرائيل) نائبًا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي التي ترتكب جرائم وانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني مخالفة لكل القوانين.
إرادة الأمم
وقال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي د. أمجد شهاب: إن "القانون الدولي الموجود في الأمم المتحدة يطبق فقط حسب إرادة الأمم الكبيرة، التي لديها قوة وبقدرتها استخدام هذه القوة ضد الضعفاء".
ورأى شهاب خلال حديثه مع "فلسطين"، أن (إسرائيل) حالة استثنائية في القانون الدولي، لأنها محمية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ولذلك أي انتهاك ترتكبه بحق القانون الدولي، لا يوجد عليه مساءلة، وهذا ليس من اليوم بل منذ أن ساهموا في تأسيس كيان الاحتلال.
وأضاف: "من السذاجة الاعتقاد أن القانون الدولي قد يفعل شيئًا لدولة الاحتلال لأن تركيبة الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن ومن لديهم حق النقض الفيتو، لا يخدم القضية الفلسطينية أو حقوق الإنسان".
وأشار إلى أنه في الحالة الأوكرانية، بإمكان عدة جهات الطلب من الجنائية الدولية بدء التحقيق تجاه الانتهاكات بحق القانون الدولي، وبإمكان المدعي العام التحرك لوحده، وإما ممثلين عن الدولة التي تقع فيها الجرائم، لكن في الحالة الفلسطينية، يختلف الأمر بسبب الموقف الأمريكي والأوروبي.
ولم تطلب الأمم المتحدة أو مجلس الأمن كذلك، ولا المدعي العام يريد التحرك من تلقاء نفسه، والقول لشهاب الذي تساءل: "إن كان هناك تحرك فعلي من المحكمة فمن سيطبق قراراتها؟"
ونبَّه شهاب إلى أن انتهاكات الاحتلال ضد حقوق الإنسان والقانون الدولي ليست قليلة، مبينًا أن الاستيطان يصنف في القانون الدولي جريمة حرب، وكذلك اعتقال الأطفال وإطلاق النيران بدون مبرر وما يرافقه من عمليات إعدام خارج إطار القانون، والاعتداء على الأماكن المقدسة والكنائس، لكن الاحتلال يستفيد من تغطية أمريكا ودول الغرب على جرائمه وانتهاكاته.