مرة تلو المرة يتصدى الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال (موحدون في وجه السجان)، في مواجهة نكوص سلطات الاحتلال للتفاهمات السابقة مع الأسرى، وإعلانها نيتها التدخل في أبسط شؤون حياتهم؛ من خلال ضربها الاستقرار الحيوي في حياة الأسير، و(مرمطته) من زنزانة إلى زنزانة، ومن قسم إلى قسم، في كل سنة عدة مرات؛ وذلك لاستكمال عملية نهش جسد الأسير ومحاولتها النيل من عزيمته وإرادته.
فما هي العوامل المساعدة للأسرى وتلك التي يكمن فيها الخطر على مشروعهم الوطني الإنساني المشروع والذي بدأ قبل أيام خطوات تدريجية كإرجاع الوجبات وإغلاق الأقسام وحل التنظيم نسبياً.
ثلاثة عوامل يمكنها أن تدعم الأسرى في تحركهم الحالي، وتساعدهم في إنجاز مطالبهم حتى قبل دخولهم الفعلي في الإضراب:
أولاً: وحدة الأسرى بكافة فصائلهم (حماس، فتح، الجبهة الشعبية، الجهاد الإسلامي، الجبهة الديموقراطية)، الأمر الذي يجعل من كسر الأسرى أمراً عصياً على سلطات الاحتلال، كما يرفع درجات دعمهم شعبياً ووطنياً وسياسياً وعسكرياً إلى أقصى درجاته الممكنة.
ثانياً: أن الأسرى يخوضون اليوم (معركة دفع لا معركة طلب)؛ فهم يسعون للدفاع عن أبسط حقوقهم التي حققوها بمعاناة وإضرابات طويلة، في وجه هجمة تسعى الإدارة لشنها عليهم، بدءاً من ضرب الاستقرار، ومروراً بتمزيق وحدتهم، وليس نهاية بالقضاء على روحهم النضالية المتوقدة.
ثالثاً: تطور دور المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن الأسرى وحقوقهم داخل السجون، حيث أشارت التقديرات الأمنية الإسرائيلية -ومازالت تشير- بأن تحرك الأسرى قد يشعل جبهات متعددة في الضفة الغربية والقدس وجبهة الصواريخ في غزة، والتي قد يستثمرها –أيضاً- حزب الله لتنفيذ بعض تهديداته لإجبار (إسرائيل) على تنفيذ حقوق لبنان المشروعة من الغاز، كما أظهرت التجربة -بما لا يدع مجالاً للشك- بأن المقاومة تدافع عن أسراها كما تدافع عن أقصاها، وبأنها لم تترك الأسرى وحدهم في الميدان، الأمر الذي حوّل -وما يزال- مسألة إضراب الأسرى إلى مسألة أمن قومي إسرائيلي يديرها -على الأرجح- ويتابعها مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي وقيادة المنطقة الوسطى وأجهزة الشاباك، وبالتأكيد ليس ضباط مصلحة السجون الذي يبدون أصفاراً لا تذكر في هذه المعادلة، وبالمناسبة فمن غير المستبعد أن سلطة السجون استدعت هذا التصعيد؛ كي تشعر بقيمتها وأهميتها؛ لمجرد تلقيها أوامر مباشرة من أعلى المستويات، والطلب منها وقف هجمتها تجاه الأسرى، أو أنها قد تغطي على فشلها المتكرر في قضايا متعددة وعلى رأسها قضية (هروب جلبوع، وفضيحة استخدامها للشرطيات الإسرائيليات لتجنيد بعض ضعاف النفوس من الأسرى الفلسطينيين).
اقتراب انتخابات الكنيست فرصة أم تهديد؟
كما يصنع الأحرار نصرهم أمام المحتلين بقوة إرادتهم وامتلاكهم الحد الأدنى من الإمكانات العسكرية والسياسية، كذلك فعل الأسرى ومعهم شعبهم ومقاومتهم، ليبدو -على الأرجح- أنهم سيستطيعون -من جديد- أن يفرضوا على عدوهم تبني تقدير موقف يقضي بأن المخاطر الأمنية المتوقعة من تحركهم الشامل أعلى بكثير من مكاسب لابيد الموهومة والمحتملة انتخابياً في مواجهة الأسرى، فطالما اقتنع الإسرائيليون بأن الموقف جدّي وبأن الجبهات الشعبية والصاروخية والفردية والجماعية ستتحرك فعلاً لنصرتهم؛ فإن النتيجة الوحيدة هي التراجع عن هجمتهم ضد الأسرى، بمعنى آخر قد تؤدي قوة الموقف الفلسطيني إلى كسر الفكرة السائدة -والصحيحة إلى حد معين- بأن حكومات اليسار تميل إلى التصعيد وعدم التنازل للفلسطيني؛ خشية من مزايدات اليمين، بينما حكومات اليمين يمكنها بسهولة التنازل فلا أحد سيزايد عليها من اليسار أو المركز، وباختصار، يمكن القول بأن حسابات الربح والخسارة، والتكاليف والفوائد التي فرضها صمود وجدية الفلسطينيين (داخل وخارج الأسر) على قيادة الاحتلال تجعله يتخذ قراراً بالتراجع عن هجومه على الأسرى بطريقة أو بأخرى، وقد يكون ذلك خلال الساعات القادمة.
والسؤال متى سينجح الفلسطيني بأن يفعل ذلك من جديد، في موضوع أهم وأوجب، وهو (عقد صفقة تبادل أسرى جديدة) يتم من خلالها علاج قضية الأسرى جوهرياً، وانقاذهم من ويلات الأسر المستمر منذ سنوات طوال؟