قبيل أذان الفجر بدقائق تستيقظ المرابطة المقدسية عايدة الصيداوي، تودع لذة النوم باحثة عن لذة فيها أجر عظيم، وهي الصلاة في رحاب المسجد الأقصى الذي يبعد مسافة دقيقتين عن بيتها الذي يقع بجوار باب الحديد.
تحاول عايدة (60 عامًا) الإفلات من قبضة جنود الاحتلال الإسرائيلي، الذي لديهم أمر قضائي بمنعها من دخول الأقصى من الساعة 8 صباحًا حتى 2:30 ظهرًا، فتدخله مع ساعات الفجر الأولى، وتنتظر حتى تؤدي صلاة الظهر، وتحضر دروس دورة التجويد التي حُرمتها عامين على التوالي بسبب إبعادها المتكرر عن الأقصى.
وما إن تنقضي مدة المنع حتى تذهب عايدة لتستريح في بيتها، ثم تعود إلى الأقصى لتصلي باقي الصلوات الخمس في المسجد يوميًّا.
رحلة الرباط
بدأت رحلة رباط عايدة اليومي في الأقصى عام 2007م، يوم اندلاع المواجهات بين المصلين وجنود الاحتلال، في إثر هدم الاحتلال الجسر الحجري المؤدي إلى باب المغاربة.
تقول لـ"فلسطين": "في ذلك اليوم كنت قد أديت صلاة الفجر، وفي الساعة التاسعة صباحًا بدأت جرافات الاحتلال هدم الجسر، ومنع المصلون من دخول الأقصى، وأدى المرابطون داخله صلاة الظهر ثم شاركنا في تظاهرة احتجاجًا على المنع".
ويتدفق من باب المغاربة 7% من ساكني القدس المسلمين للصلاة في المسجد الأقصى، وشرع الاحتلال في شباط (فبراير) 2007 في هدم الطريق المؤدي إلى هذا الباب، وهو ما تسبب في وقوع مواجهات أدت إلى جرح العشرات من الفلسطينيين.
وتضيف: "أردت مغادرة الأقصى متوجهة إلى بيتي، ولكن أنذرني حراس الأقصى بأن الجنود يخططون لاعتقالي، فتخفيت ونجحت في المغادرة، وما إن وصلت إلى بيتي حتى اقتحمه جنود مدججون بالسلاح، واعتقلوني مدة 15 يومًا، وصدر أمر قضائي بإبعادي عن البلدة القديمة، مع دفع غرامة قيمتها 3000 شيقل".
قضت عايدة أيام الإبعاد الثقال مناصفة بين بيت أهلها في الخليل، وبيت صديقتها التي تسكن خارج حدود البلدة القديمة.
الأقصى ملاذ وطريق
وتشرح معنى الرباط بأنه انتظار الصلاة تلو الصلاة، وفي هذه الأوقات تعقد مصاطب العلم للمرابطين والمرابطات، لافتة النظر إلى أن الاحتلال شدد من إجراءاته عند بوابات الأقصى لمنع المصلين من الوجود الدائم فيه، وإبعاد من لا يريده.
وفي الأيام التي يخصصها الاحتلال لاقتحام مستوطنيه الأقصى تمنع عايدة من دخول المسجد، إلا عند صلاتي المغرب والعشاء فقط.
وفي الـ15 من آذار (مارس) الماضي تسلمت أمرًا بالإبعاد عنه حتى منتصف أيلول (سبتمبر) القادم، تسمع عايدة الأذان يصدح من مآذن الأقصى ولا تستطيع تلبية النداء، بسبب منشور كتبته على صفحتها بشبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، تدعو فيه أحرار العالم للدفاع عن المسجد وشد الرحال إليه.
وبسبب الإبعاد لم تنعم عايدة بعيش نفحات رمضان الفائت في باحات الأقصى، حيث اعتادت أن تؤدي الصلوات الخمس، وصلاة التراويح، واعتكاف العشر الأواخر.
أثار حديثها عن الأقصى الشجون في قلبها، تساقطت الدموع من مقلتيها وهي تردد: "الأقصى هو كل حياتي، ملاذي وطريقي، هو سكينة القلب، حرموني تذوق حلاوة القرب منه".
وتبين أن بيوت البلدة القديمة جميعها على صغر مساحتها تفتح أبوابها على مدار الساعة، لاستقبال زوار الأقصى.
على الطريق
لم تستسلم عايدة للإبعاد إذ تواصل الرباط على أبواب الأقصى، وتؤدي صلاتي المغرب والعشاء مع المبعدين والمبعدات في طريق المجاهدين بالقرب من أبوابه، لأنهم ممنوعون من التجول في أروقة المسجد.
وفي التاسع من ذي الحجة تعودت عايدة أن تصنع المقلوبة المقدسية، تحملها سيرًا على قدميها حتى تصل إلى باحات الأقصى، تجلس بجوار العائلات التي تفترش الأرض تضع ما لذ وطاب من المأكولات الفلسطينية، تبحث بينهم عمن تشاركها في وجبة الإفطار.
هذا العام لم يكسر الإبعاد شوكتها، فصنعت المقلوبة وحملتها إلى طريق المجاهدين، وتشاركت الإفطار مع المرابطين والمرابطات وزوار المدينة العتيقة، على صوت التكبيرات التي صدحت من مآذن الأقصى، وتبادلوا التهاني بحلول عيد الأضحى المبارك على أعتاب الأقصى.
ليست المرة الأولى التي تبعد فيها الصيداوي عن المسجد الأقصى، فسبقها عشرات المرات، إضافة إلى اعتقالها ثلاث مرات، تقول: "هذا تكريم من الله، والله اصطفاني من نساء العالم لأكون في خط الدفاع الأول عن الأقصى".
ومن أصعب الأيام التي مرت على المرابطة عايدة موقف أحدث ضجة على منصات التواصل الاجتماعي، ففي الـ29 من أيار (مايو) الماضي يوم اقتحام المستوطنين الأقصى، كانت تجلس في بيتها تشاهد عبر التلفاز الاعتداء على المرابطين ودموعها تنهمر على خديها.
لم تطق عايدة الجلوس مكتوفة اليدين؛ فنزلت من بيتها حتى باب العمود، حينها اعتدى عليها أحد الجنود بالضرب ورش وجهها برذاذ الفلفل، في تلك اللحظة استشاط أحد الشبان غضبًا لرؤيتها تهان، فتوجه إلى الجندي وضربه دفاعًا عنها.
وتناشد عايدة كل إنسان حر شريف الدفاع عن الأقصى وشد الرحال إليه، فهو ليس للمقدسيين فقط، وهم الصامدون رغم هدم بيوتهم، ومحاصرتهم بالضرائب، والاعتداء على رجالهم، ونسائهم، وأطفالهم، بل هو لكل مسلمي العالم.