فلسطين أون لاين

انتفاضة أسرى الحرية.. موحدون في وجه السجان

لجأ الكيان الاستيطاني منذ تأسيسه غير القانوني وغير الشرعي عام 1948 إلى شن حملات اعتقال طالت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين تمكنوا من البقاء في فلسطين المحتلة التي أصبحت نَهبًا للاحتلال، رغم ارتكاب عصاباته المسلحة الفاشية أكثر من 120 مجزة كبرى، فمن عام 1947 حتى 1948 استولى الاحتلال الكولونيالي الصهيوني على 774 قرية ومدينة في فلسطين، وَدَمّرَ 531 قرية كان يقطنها 807 آلاف فلسطيني آنذاك، متوزعة على 14 قضاء في 6 ألوية.

وسياسة الاعتقال هدفت إلى ترويع كل من يحاول التحرك لمواجهة التهجير والقتل والتنكيل، التي مارستها العصابات الصهيونية قبل وبعد تشكيلها جيش هذا الكيان النازي.

كما شَرّع الاحتلال إلى جانب فرض الحكم العسكري على المواطنين الفلسطينيين على أرضهم أوامر الاعتقال الإدارية التي استنسختها (تل أبيب) من أجندة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وذلك على الضفة الفلسطينية وشرقي القدس وقطاع غزة منذ احتلال عام 1967، و(إسرائيل) هي "الدولة" الوحيدة التي لم تزل تُطَبق هذا الاعتقال المنافي للقوانين الدولية.

وقد سجل أكثر من 65 ألف حالة اعتقال إداري حتى الآن من بين أكثر من مليون مواطن فلسطيني اعتقلوا، وهو بمفهوم العدو اعتقال شخص بأمر من القادة العسكريين، وبتوصية من المخابرات بعد جمع مواد تُصنف أنها "سرية"، استنادًا إلى أمر تعليمات الأمن رقم 1651 الذي يَمنحُ قائد المنطقة العسكرية "الحق" في احتجاز شخص أو أشخاص مدة تصل إلى ستة أشهر وفقًا للمواد 248-294، ويمكن تجديد ذلك إلى ما لا نهاية كما هو الحال الفعلي الواقع الآن.

وَيُعرّف مركز المعلومات (الإسرائيلي) لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة المعروف اختصارًا بـ"بتسيلم" الاعتقال الإداري بأنه "اعتقال يستند فقط إلى أمر إداري دون أي حسَم قضائي، ودون لائحة اتهام ودون محاكمة".

وقد بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال 4550 أسيرًا، من بينهم 31 سيدة و175 طفلًا وأكثر من 700 معتقل إداري، والمئات من الأسرى المرضى جُلهم يعانون أمراضًا مزمنة وخطرة.

ولقد شهدت السجون والمعتقلات انتفاضات وإضرابات عديدة قدم فيها الأسرى العديد من الشهداء الذين قاتلوا من أجل عدالة قضيتهم وسطروا أروع الملاحم على طريق الكرامة، شهداء فلسطين والأكرم منا جميعًا والذي يزيد عددهم على 240 شهيدًا، في الوقت الذي قدم فيه الشعب الفلسطيني ما يزيد على 120 ألفًا من الشهداء الذين صَنعوا ملاحم ومآثر خالدة ستبقى ما بقيت الحياة أسفار مَجدٍ من أجل الحرية والانعتاق وشموسًا تنير لنا الطريق نحو السيادة والاستقلال.

وتأتي مسيرة الأسرى في سجون العدو اليوم وَتَوَقّد انتفاضتهم المباركة في قلاع الصمود التي اعتقد العدو أنها الحلقة الأضعف، ليثبتوا بأنهم فرسان الشعب يواجهون في خط الدفاع الأول بطش العدو وغطرسته ولن يثنيهم الحصار المضاعف وإجراءات العزل ووضع أقفال جديدة على أبواب الزنازين عن التصعيد والثورة وقد قاموا بحل "الهيئات التنظيمية".

تحت شعار "موحدون في وجه السجان" يخوضون معركة الحرية والخلاص، لانتزاع حقوقهم التي كفلتها لهم المواثيق والقوانين الدولية.

وتتوالى وقفات التضامن مع أسرانا الأبطال الذين يخوضون اليوم واحدة من معارك انتفاضتهم ضد السجان النازي العنصري، وذلك في غزة العزة وفي أنحاء ضفة القسام يؤكد أن شعبنا الفلسطيني يقف موحدًا خلف أسراه ليشد من عضدهم ويساند خطواتهم المباركة لوضع حد لهذا التغول الوحشي المجرم لسوائب حُراس السجون.

إن نصرة هؤلاء الفرسان واجب ديني ووطني وأخلاقي وإنساني، أسرانا الأبطال الذين شرعوا في خطوات احتجاجية مفتوحة وهي التي بدأت منذ أسبوع حين قاموا بإعادة وجبات الطعام ومقاطعة إدارة السجون بشكل مباشر، كما أن أسرى الحرية يخططون للمواجهة بإعلان إضراب مفتوح عن الطعام سيبدأ في أيلول/ سبتمبر القادم إذا لم تعد إليهم إنجازاتهم التي حققوها بالإضرابات والعذابات التي تكبدوها وهم يصعدون مواجهاتهم خلال سنيْ سجنهم الممتدة، وسيبدأ نحو ألف أسير من كل السجون إضرابهم المفتوح عن الطعام، ويحاول العدو بين حين وآخر الانتقام بإجراءات عقابية بحق الأسرى المحكومين بالمؤبدات وضد أبطال سجن جلبوع الذين مرغوا أنف السجان في الوحل.

إن إسناد الأسرى يعني كل وطني ينتمي لهذا الشعب المرابط، والذين ينتظمون اليوم في إضراب الكرامة لمواجهة الأحكام الإدارية وسياسة العزل الانفرادي والحرمان من الزيارة والنقل من سجن إلى آخر، وخلال الساعات الأخيرة قامت إدارة السجون وقوات القمع التابعة لمصلحة السجون بإعلان الاستنفار في محاولة بائسة لوقف تحرك الأسرى، ولكنهم مُصَممون على المضي على طريق المواجهة وسط حراك شعبي وفصائلي عارم مطالبين بتنفيذ كل التفاهمات التي تمت مع قادة الأسرى.

ويتابع فرسان الحرية وللأسبوع الثاني على التوالي الامتناع عن "الفحص الأمني" الذي يتم عادة مرتين إلى ثلاث مرات يوميًا حيث يُطلب من الأسرى مغادرة غرفهم ليجري تفتيشها وتفحص محتوياتها وكل المرافق والتدقيق بكوات الزنازين والجدران والأرضيات وتحت الأسِرّة.

إننا مطالبون اليوم بتعزيز التحركات الجماهيرية في كل مدن وقرى ومخيمات الوطن المحتل وفي أقطار اللجوء والشتات للانخراط في أوسع حملة لإسناد وحماية أسرانا من قمع وتنكيل وبطش الجلاد، ولمطالبة المؤسسات الدولية بالتدخل الفوري لوضع حد لهذا التغول لآخر احتلال على وجه الأرض، والذي تتصاعد في الآونة الأخيرة وبشكل لافت إجراءاته السادية من إهمال طبي ورفض علاج الأسرى المرضى وإنفاذ سياسة القتل البطيء والمنهجي للجرحى على مسالخ أَسِرّة عيادات العدو المعدة للتعذيب ومحاولات انتزاع الاعترافات بما يتنافى مع شرعة حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني واتفاقات جنيف الأربعة وملحقاتها.

وتشهد في هذه الآونة سجون ومعتقلات العدو وجودًا بأعداد كثيفة لوحدات القمع أمام وداخل السجون وتحركات واسعة لإدارات السجون والاستخبارات بين الأقسام إلى جانب الاستعانة غير المسبوقة بالكلاب في محاولة لثني الأسرى عن تصميمهم للمضي قُدمًا، ويؤكدون أن هذه المسيرة المظفرة نحو الحرية ستنفجر في وجه من لم يتعلموا درسًا واحدًا خلال سبعة عقود ونيف.

المؤشرات تنذر بأن وحدات القمع تنوي اقتحام أقسام السجون ومحاولة التنكيل بالأسرى الذين يعتصمون في الساحات وقد غادروا أقسامهم ليعلنوا العصيان والتمرد على القوانين الظالمة لإدارة السجون موحدون جميعًا في مواجهة السجان ومعهم شعبهم موحدًا أيضًا يقدمون دعمًا لا يتوقف مع كل القوى الوطنية المتمثلة بفصائل المقاومة وأندية الأسرى وهيئة شؤون الأسرى والمحررين.

فصلٌ جديد لهذه الملحمة التي يشارك فيها الجميع في كل السجون والتي يقتضي مشاركة كل الساحات وعلى نحو خاص في الضفة الفلسطينية المحتلة للاشتباك مع العدو وعلى كل الحواجز ونقاط التماس والطرق الالتفافية وإشعال الأرض تحت أقدام قطعان مستوطنيه، زحف نحو الحرية لا يتوقف وسيتصدى الشعب الصامد وأسراه الميامين لأي حماقة قد يقدم عليها العدو، والمقاومة تعد قواها وتعلن أنها بالمرصاد وستضيف إلى رصيدها جديدًا مظفرًا على درب خلاص الأسرى والمسرى.