غزة/ أدهم الشريف:
يعكس تحذير فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أنّ الوكالة الدولية "تواجه تهديدًا وجوديًّا"، المخاطر المترتبة على العجز المالي لديها وما يترتب عليه من أزمات وتداعيات على الوكالة الأممية واللاجئين معًا.
وأكد لازاريني في خطاب أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، أن إنجازات "أونروا" تتعرض للخطر منذ العقد الماضي، إذ أدى النقص المزمن في تمويل الميزانيات البرنامجية إلى زيادة صعوبة إيفاء الوكالة بمهام الولاية التي أسندتها إليها الجمعية العامة.
وكانت "أونروا" واجهت أزمة مالية قاسية عندما قرر الرئيس السابق للإدارة الأمريكية دونالد ترامب، وقف تمويل بلاده المقدم للوكالة بالكامل، بواقع 300 مليون دولار، ضمن ما كان يسميه "صفقة القرن" التي استهدفت قضية اللاجئين والوكالة الأممية معًا، إذ لجأت الأخيرة إلى تقليصات في خدماتها وأعداد موظفيها؛ انعكست سلبًا على قطاع واسع من العاملين لديها، وتركت تداعيات خطيرة على أوضاعهم الإنسانية.
وتثير التحذيرات المستمرة لوكالة الغوث من استمرار العجز المالي وعدم قدرتها على تقديم خدماتها بالكامل، مخاوف اللاجئين في أماكن عملها الخمس، وهي؛ قطاع غزة، الضفة الغربية المحتلة، الأردن، لبنان وسوريا.
وتضم هذه البلدان مخيمات للاجئين المهجرين قسرًا منذ نكبة 1948، وعدوان 1967، يتواجد فيها ملايين الفلسطينيين المتمسكين بحق العودة.
حياة كريمة
ويقول اللاجئ عبد الرحيم نتيل (65 عامًا) من سكان مخيم الشاطئ للاجئين، غربي مدينة غزة: إن الوكالة واستنادًا إلى قرار تأسيسها، عليها أن تتكفل بحياة كريمة للاجئين حتى تحقيق العودة إلى ديارهم المحتلة.
"وبناءً على ذلك تكفلت مجموعة دول بتمويل (أونروا)؛ لكن العديد منها تنصلت من التزاماتها المالية، وساعد على ذلك دول عربية وقعت اتفاقيات تطبيع مع (إسرائيل)"، كما أضاف نتيل لصحيفة "فلسطين".
وتابع نتيل: "نتفهم جيدًا طبيعة الأزمات التي تعانيها أونروا، ويجب على جميع الدول التي تعهدت بتمويل "أونروا" منذ نشأتها أن تستمر في ذلك، حتى تواصل تقديم الخدمات للاجئين".
ويبدي نتيل، وهو أب لستة من الأبناء والبنات، أكبرهم (35 عامًا)، وأصغرهم (22 عامًا)، استعداده الكامل للمشاركة في الفعاليات المؤيدة لبقاء وكالة الغوث واستمرار عملها حفاظًا على قضية اللاجئين والدفاع عن حقوقهم.
وحسبما تفيد معطيات أوردها الجهاز المركزي للإحصاء، فإن عدد الفلسطينيين مع نهاية 2021، يقدر بنحو 14 مليونًا، بينهم قرابة 5 ملايين و300 ألف يعيشون في الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، ومليونان و700 ألف يعيشون في أراضي 1948، ونحو 7 ملايين في الشتات.
"إنهاء القضية"
وقال رئيس اللجنة الشعبية في مخيم الشاطئ للاجئين نصر أحمد، إننا ننظر بخطورة إلى التصريحات التي أدلى بها المفوض العام لـ "أونروا"، وهي تتقاطع مع طموح الاحتلال بإنهاء خدمات وكالة الغوث بهدف القضاء على قضية اللاجئين.
وتابع أحمد لـ"فلسطين": "يجب على لازاريني بدلاً من أن يحذر من إمكانية إنهاء دور "أونروا"، حشد طاقات الدول المانحة والمتبرعة، ودفعها إلى الإيفاء بتعهداتها السابقة"، مشيرًا إلى أن دولًا عديدة تعهدت عند تجديد ولايتها قبل بضع سنوات بتمويل الوكالة الدولية لكنها لم تفِ بذلك".
وعدَّ أن العجز المالي لوكالة الغوث وما يترتب عليه من أزمات لديها، سينعكس سلبًا على اللاجئين.
وبيَّن أن أكثر من مليون و100 ألف لاجئ بغزة وحدها يتلقون خدمات من "أونروا" من حصص غذائية وخدمات صحية، وغيرها.
وبحسب قوله، كان من المقرر منح "أونروا" 18 ألف أسرة، بواقع 39 ألف لاجئ، قسيمة مالية قيمتها 50 دولارًا، لكن الوكالة قلصت هذا الرقم إلى 13 ألف أسرة بواقع 22 ألف لاجئ، بزعم أنه ليس لديها موظفون للقيام بحملات الخدمة والبحث الاجتماعي، عادًّا ذلك من ضمن التقليصات التي بدأت بها، وقد يكون تمهيدًا فعليًّا لإنهاء خدماتها.
ونبَّه إلى إمكانية اللجوء إلى خطوات تصعيدية ميدانية رفضاً لتقليص تمويل الوكالة الدولية وبهدف حشد الطاقات والموارد لتغذيتها بالتمويل اللازم.
وأضاف: على جميع الدول التي تسببت بالأزمات المتلاحقة لدى "أونروا" العمل على إنهاء هذه الأزمات واستئناف التمويل لها، مراعاة لظروف اللاجئين الفلسطينيين ودعمهم بكل السبل سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا حتى تحقيق العودة.
أزمة مركبة
من جهته، قال المستشار الإعلامي لـ"أونروا" بغزة عدنان أبو حسنة، إن "أونروا" تعاني أزمة مالية مركبة تتكرر سنويًّا، ووصلت نسبة العجز للعام الحالي إلى 100 مليون دولار تقريبًا في المصروفات التشغيلية والخدمات ورواتب الموظفين.
وأضاف أبو حسنة لـ"فلسطين": إن تكرار هذه الأزمة باستمرار جعلها تشكل تهديدًا حقيقيًّا لبرامج "أونروا" تزامنًا وحالة التركيز العالمي تجاه أوكرانيا، مبينًا أن دول مانحة طلبت ألَّا ننتظر منها زيادة تبرعاتها كما حصل في أعوام ماضية.
وبيَّن أن التمويل العربي للوكالة تقلص بنسبة 90 بالمئة، إذ كان يصل إليها سنويًّا حوالي 200 مليون دولار وذلك حتى عام 2018، لكنها اليوم تقدم فقط 20 مليونًا فقط، مشيرًا إلى أهمية استمرار التمويل الأمريكي للوكالة الدولية.
وبين أن ميزانية وكالة الغوث ثابتة منذ 3 سنوات، وقيمتها 817 مليون دولار.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى مساعدات وجودة خدمات، وبناء عشرات المدارس والعيادات وتوظيف الآلاف في مجالات الدعم النفسي والخدمة الاجتماعية والتعليم والصحة".
وتوقع أن تلقى وكالة الغوث تجديدًا آخرًا لولايتها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، فهي في وضع مادي حرج، وقد جاءت مناشدات مفوض (أونروا) لدفع غير الملتزمين إلى استئناف تمويلها ودعمها، من أجل مواصلة تقديم خدماتها" والقول لأبو حسنة.
واستدرك أبو حسنة: عدم تمكن الوكالة من تقديم الخدمات اللازمة للاجئين سيشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي في المنطقة، مبينًا أن ملايين اللاجئين الفلسطينيين يتلقون الخدمات الإغاثية في أماكن عمل الوكالة الأممية.
وأشار المتحدث باسم وكالة "أونروا"، إلى أن غزة وحدها تستهلك قرابة 37 بالمئة من الميزانية السنوية.
وأبدى تأييده للفعاليات الشعبية المساندة لوكالة الغوث، والحاثة للأطراف على ضرورة استئناف تمويلها، وقال إن الإحساس بالخطر ليس فقط لدى إدارة "أونروا" فحسب، بل عند اللاجئين أيضًا، خاصة أن هناك حملات منظمة لنزع شرعية "أونروا"، وهذا يعني نزع الشرعية عن قضية اللاجئين وحق العودة.