تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي عبر أذرعها الاستيطانية والأمنية والدبلوماسية أن ترسم الخريطة التي تريدها مستخدمة أوراقًا محلية كما اتفاقية أوسلو المشؤومة؛ وحالة الأنظمة الاستبدادية في الإقليم، فكان المشهد وفق الرؤية الإسرائيلية.
إنها المعادلة التي تدركها جيدًا القوى الفاعلة في المنطقة والدول، إنها معادلة الوقت التي بحد ذاتها تعد معركة وسلاحًا مستمرًّا، فكانت استخدمت حينما انهار السور العربي الكبير في إطار ترويض مدفوع الثمن في "كامب ديفيد" الأولى تلتها وادي عربة تلتها "أوسلو" وما قبلها وما بعدها وما هو تحت الطاولة، بالتزامن مع معارك وهمية أشعرت الجندي الإسرائيلي أنه الأقوى الذي لا يقهر.
إنه سلاح الوقت الذي نجح الاحتلال فيه في إخماد الثورة عدة مرات والانتفاضات وفصل القضية عن عمقها، واستحدث القرار الفلسطيني المستقل، ثم لاحقًا باب القرار الفتحاوي المستقل، إلى أن وصل القرار المستقل دون معرفة من يقرر أو يحدد.
الوقت الذي راهن عليه الاحتلال ضاعف المستوطنين في الضفة الغربية ١٥ ضعفًا، وطرد ثلثي المقدسيين أهل الأرض من المدينة المقدسة، وحاصر قطاع غزة، وقيَّد أهل الداخل في مدن صغيرة ومتراكمة كالمخيمات، وشطب التواصل الجغرافي، وعزز النعرة والقبلية والخلافات.
الوقت الذي جعل من مشروع التحرر عبئًا على أهل الأرض الذين توقعوه حرية وسيادة ودولة؛ فإذا به حكم ذاتي ومحسوبية وواسطة وفساد ضج منه المانح قبل المواطن.
الوقت الذي يستفيد الاحتلال حتى من الضائع منه؛ يصفه من يسوغ فساد "أوسلو" بأنه رفض للمفاوضات، ويختبئ خلف هذه النظرية دون أفق دون توقيت دون خطوط حمراء، أما الاحتلال فضاعف المستوطنات عما كانت قبل تلك المرحلة، واستفاد ويستفيد من مرحلة يراها مسوِّغها أنها مؤقتة ومضى عليها أكثر من عقد ونصف من الزمن، ما يدلل أنه ليس قرارًا مستقلًّا، بل الوقت هو الوقت الذي يريده الاحتلال، فلا غرابة أن التنسيق الأمني على أشده وقوته والمفاوضات متوقفة، وأن السلام الاقتصادي يسير بقوة والاستيطان بعنف والمفاوضات متوقفة، فما هو المتوقف إذًا ومن المتضرر من المشهد المتجمد الآن ومن المستفيد؟!
هنا وفي ظل هذه الأسئلة دلالة وإشارات خطيرة تعود بنا إلى حياة سياسية فارغة لا حاكم منتخب فيها ولا نواب عن شعب ينشد حقه، هنا لا يمكن لك أن ترسم مشهد الدولة أو الثورة؛ سمِها ما شئت، ولكنك لن تستطيع إلا أن تسميها مفرزة ومجمدة.
في محاولة لضم الخيوط وتجميعها حتى نحاول تفسير الواقع نرتطم في كثير من العقبات ظاهرها وطني وعميقها سيئ كسوء أوسلو أو ما قبلها أو بناتها، عقبات ليست صدفة أن نسجها الاحتلال وغلمانه ليواجه الشعب وحقه ومقاومته، عقبات لا تبدأ في الجغرافيا ولا تنتهي بتسمية السيادة أو الحدود، وإن تحدثنا أكثر كأننا نطبق وثيقة عباس-بيلين التي تسعى للاندماج دون سيادة والوطن دون خريطة، واللجوء وهمٌ عودته فقط على ورقة جواز السفر.
هرول الجميع لوضع الخطط التي تناسب الاحتلال وتوقيت الاحتلال وساعة الاحتلال وتجاهلوا ما هدره الانتظار على عتبات الأمم المتحدة ومجلس أمنها اللذين كانا البوابة الكبيرة كي يستولي الاحتلال على الوقت، وهما نفسهما الجحيم الذي أرادوا تسميته لنا بأنه المنقذ، وهو في حقيقته الذي هدر وقتنا في كرت المؤن والشؤون وكيس الدقيق وعلبة الذرة.