انزاح الستار عن نتائج الانتخابات الداخلية في فتح، لتعيد إنتاج اللجنة المركزية السابقة ذاتها المنبثقة عن المؤتمر العام السادس مع تجديد خجول شمل خروجا ودخولا محدودا لبعض الأعضاء، وغياب شبه تام للنساء والشباب، لكن وعلى أي حال، فإن "المركزية" التي جاء بها المؤتمر السابع، ستكون أمام تحديات منها اعتزام القيادات والكوادر المفصولة من الحركة، القيام بحراك "للحفاظ على ما تبقى من فتح"؛ بحسب قيادي فتحاوي.
وسبق نتائج الانتخابات، أن حل القياديان اللذان يوصفان بأنهما من "الجيل المؤسس" أبو ماهر غنيم وسليم الزعنون، إضافة إلى فاروق القدومي، كـ"أعضاء شرف دائمين" على اللجنة المركزية، فيما خرج منها-بحكم نتائج الانتخابات- أعضاء يوصفون بأنهم من قيادات فتح "التاريخيين" مثل نبيل شعث والطيب عبد الرحيم إضافة إلى سلطان أبو العينين.
وانضم إلى "المركزية" المنتخبة؛ الحاج إسماعيل، وصبري صيدم، وروحي فتوح، ودلال سلامة، وسمير الرفاعي، وأحمد حلس.
وكان لافتًا أن عضو "المركزية" القديم الجديد جبريل الرجوب حصل على أعلى الأصوات بعد القيادي مروان البرغوثي، الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تساؤل قديم جديد مُلِح: من سيكون "خليفة عباس" المستقبلي في رئاسة فتح؟
والمؤتمر السابع لفتح، الذي جدد لعباس في رئاسة الحركة، شهد تأكيدا من الأخير خلال طرحه برنامجه المقترح على المؤتمرين، على مبادئه المتمسكة بالتسوية مع الاحتلال، ولم يشر فيه إلى الكفاح المسلح ضد الاحتلال.
"بنظرة سريعة على نتائج انتخابات اللجنة المركزية يتضح أن هناك ستة وجوه جديدة من أصل 18 (العدد الإجمالي للأعضاء) ويمكن القول إن نسبة التغيير بلغت نسبة 33%"، والكلام هنا للمحل السياسي د. مخيمر أبو سعدة، الذي يوضح لصحيفة "فلسطين"، أن "الغالبية العظمى من أعضاء المركزية هم من الموالين بشكل كبير للرئيس عباس".
ويضيف أبو سعدة: "واضح أن هناك اصطفاف جيد إلى جانب عباس ورؤيته التي عكستها نتائج المركزية".
وعن انعكاس هذه النتائج على الأداء الداخلي لفتح، وأداء الحركة تجاه القضية الفلسطينية، يقول، إنه ما دام عباس هو القائد العام لحركة فتح وهو رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير "فمن غير المتوقع أن يكون هناك أي تغيير في السياسة تجاه (إسرائيل) أو حتى تجاه ما يحدث في المنطقة العربية".
ويتابع بأن فتح ستتبع نفس السياسة التي أكدها عباس في رؤيته التي طرحها أمام المؤتمر السابع، وتمت الموافقة عليها تقريبا بالإجماع، وهي تتحدث عن دولة فلسطينية على ما يعرف بحدود 1967، عاصمتها شرقي القدس، وحل عادل ومتفق عليه للاجئين على أساس القرار 194 وما تعرف بـ"مبادرة السلام العربية".
وبذلك يكون عباس "أسقط الكفاح المسلح" من برنامج حركة فتح، إذ يوضح المحلل السياسي، أن عباس أكد أن السبيل لتحقيق إقامة دولة فلسطينية على ما يعرف بحدود 1967 هو المفاوضات، "وبذلك أسقط الكفاح المسلح من برنامج فتح، وأكد على أن المفاوضات، رغم أنه اعترف أنها لم تحقق شيء وأنها فشلت في إنهاء الاحتلال، هي الخيار الاستراتيجي لحركة فتح في المرحلة القادمة".
وجاء انعقاد المؤتمر السابع في ظل احتدام الخلاف بين عباس والقيادي المفصول من فتح محمد دحلان الذي يتهم الأول بالسعي إلى ما يسميه "تقزيم فتح".
أما عن المصالحة الفلسطينية، يوضح أن خطاب عباس فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، خلال المؤتمر السابع كان "تكتيكيا، لا يغير من الحقيقة أن هناك فجوة كبيرة بين فتح وحماس لها علاقة بالأيديولوجية، والبرنامج السياسي: برنامج المفاوضات مقابل برنامج المقاومة، إضافة إلى ذلك صعوبة التعامل مع القضايا التي نشأت عن الانقسام".
ويشدد أبو سعدة، على أنه حتى لو أراد عباس الذهاب باتجاه مصالحة حقيقية مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فيجب عليه أن "يسعى لرفع الفيتو الإسرائيلي الأمريكي عن المصالحة".
وعما إذا كان "لغز خليفة عباس" المستقبلي في رئاسة فتح قد تم حله في ظل نتائج انتخابات "مركزية الحركة"، يجيب المحلل السياسي، بأن المؤتمر السابع أكد على عباس "كرئيس أوحد لحركة فتح وللسلطة والمنظمة بدون أي منافس".
ويتابع: "لكن نحن بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات داخل اللجنة المركزية من تسمية نائب للقائد العام لحركة فتح"، مردفا: "إذا نجحت اللجنة المركزية في أن تعقد انتخابات داخلية وتسمي نائب القائد العام، يمكن أن تُحل مسألة خلافة الرئيس، لكن حتى اللحظة هذا الموضوع غير معروف".
وعن سؤال: هل ستكون "المركزية المنتخبة" قادرة على حل أي خلافات قد تطرأ كتحركات مقابِلة للمؤتمر، من القيادات والكوادر المفصولين من الحركة؟ يجيب أبو سعدة، بأن عباس استطاع من خلال هذا المؤتمر بطريقة تنظيمه ومن حضر إقصاء القيادي المفصول من فتح، محمد دحلان "وجماعته بشكل كبير".
ويرى أنه "لا توجد إمكانية أمام دحلان بالعودة إلى حركة فتح" في ظل وجود عباس كقائد عام للحركة، معتقدا أنه إذا تغيرت الأوضاع السياسية وخرج عباس من المشهد السياسي الفتحاوي والفلسطيني يمكن الحديث عن عودة دحلان إلى فتح في المستقبل ولكن ليس في ظل وجود عباس كقائد لحركة فتح والسلطة والمنظمة.
"الديمقراطية الحقيقية"
بينما يعلق المحلل السياسي خالد عمايرة، على نتائج انتخابات "المركزية" قائلا: "لقد قرأتها ضمن الوضع الفلسطيني العام، ووضع القيادة الفلسطينية وحركة فتح والدوران في حلقة الرئيس أو الزعيم وحالها حال الأحزاب الحاكمة في العالم العربي للأسف الشديد"؛ على حد تعبيره.
ويعتبر عمايرة، في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، أن "الناحية الديمقراطية الحقيقية يبدو أنها غائبة من حركة فتح، وهذا شيء يدعو إلى الأسف"؛ على حد قوله.
لكن حركة فتح تصف الانتخابات للجنتها المركزية والمجلس الثوري بأنها "ديمقراطية"، أليس كذلك؟ يجيب عمايرة: "أتحدث من ناحية أعمق من الظاهر"، مشيرا إلى أنه تحت سطح الديمقراطية "الظاهرية" توجد "خطوط حمر ومحرمات وأمور غير معلنة ولكنها معروفة للجميع وعلى الجميع أن يلتزم بها وإذا لم يلتزم فإنه سيحاصر ويُطرد"؛ وفق وصفه.
ويرى أن فتح "لن تفلح في التغلب على أزماتها التي كنا نأمل أن تتخلص منها، فعلى سبيل المثال الانقسام الفتحاوي ما زال قائما"؛ وفق اعتقاده.
ويشير في الوقت نفسه، إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "نجحت في قتل أي إمكانية متبقية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تتمتع بالتواصل الإقليمي"، معتبرا أن "مؤتمر فتح السابع انتهى كما بدأ".
من جهته، يقول القيادي الفتحاوي عبد الحميد المصري، "نحن لم ولن نعترف لا بمدخلات ولا بمخرجات" المؤتمر السابع لفتح، واصفًا إياه بـ"الإقصائي الذي أخذ مجموعة من الموظفين وعملوا مؤتمرًا بهم"، فيما اعتبر أن "بعض أعضاء المؤتمر ليسوا أعضاء في فتح أصلاً" وفق قوله.
ويؤكد المصري، لصحيفة "فلسطين"، أن كوادر وقيادات فتح، المفصولين يدرسون أكثر من خيار للحفاظ على ما وصفه "ما تبقى من فتح"، بعد أن عقد عباس المؤتمر السابع في رام الله.
ويوضح أنه "ستكون هناك خطوات كثيرة، وهناك أكثر من خيار تتم دراسته حاليًا بهدوء"، مضيفًا "سنتخذ القرار الذي يحافظ على ما تبقى من فتح".
وعما إذا كان من بين "الخيارات" عقد مؤتمر في مقابل المؤتمر الذي عقده عباس، يجيب المصري "هذا خيار مطروح، ولكن ليس هناك قرار باتجاه (تبني) أي خيار من الخيارات المطروحة.. كل الخيارات حتى الآن متساوية (في فرص تبنيها)".
ويتابع: "لا يوجد خيار فُضِّلَ على الآخر، ولكن كل الخيارات تتم دراستها، والخيار الذي تقع عليه القناعات والتوافق سنسير باتجاهه".
وعن طبيعة هذه "الخيارات"، يقول: "هناك خيارات كثيرة جدًا، لا داعي لشرحها الآن، لا تزال في طور النقاشات".
وعن توقعه للرد المحتمل من دحلان على عقد المؤتمر السابع يُبيِّن المصري أن دحلان "ليس الوحيد المفصول"، متابعًا أن دحلان "مفصول هو وآلاف من القيادات والكوادر وسيكون هو جزء من الحراك الذي نقوده".
وبشأن الإعلان عن "أعضاء الشرف" في مركزية فتح، يقول المصري "أعتقد أن جزءًا من الأعضاء الذين يدعون أنهم مؤسسون (لفتح) لا يهون عليهم ترك الكرسي" على حد تعبيره.
وردًا على سؤال عما إذا كانت هناك خشية على وحدة ومستقبل فتح في ظل عقد المؤتمر السابع والردود المحتملة من المفصولين من الحركة، يتمم: "أعتقد أن لدينا خشية كبيرة من هذا الاتجاه، وحذرنا من هذا الموضوع"، لكنه رأى في الوقت نفسه أن "فتح ستخرج من هذه الأزمة معافاة".