بعد ثلاثة أشهر من التدريب داخل صالة تتوفر فيها عناصر الحماية، بات أنس إسماعيل قادرًا على ممارسة رياضة الباركور المعروفة بخطورتها.
جذبت أنس (10 أعوام) هذه الرياضة بعد مشاهدته عروضًا لممارسيها على شاطئ بحر مدينة غزة، ولم يكن التحاقه بأكاديمية "وول رانرز" الخاصة برياضة الباركور سهلًا، إذ عارض والده طلبه الالتحاق بها لإدراكه خطورتها، غير أن معاينة الصالة التدريبية جعلته ينزل عند إصرار وحماس ابنه على ممارستها.
يقول والده: "هذا النوع من الرياضة يشكل خطورة كبيرة على حياة ممارسها وقد تصيبه أي حركة خاطئة بإصابة تعوق مسار حياته إلى الأبد، تحتاج إلى جرأة وعقل متيقظ".
ويضيف أن أنس أصبح بعد ثلاثة أشهر من التدريب داخل أكاديمية الباركور، أكثر جرأة على القفز دون الخشية من المرتفعات.
ويعبر أنس عن انسجامه بهذه الرياضية، إذ يشعر بنفسه كـ"طائر يحلق في الهواء"، وفق قوله، مشيرًا إلى اندماجه في هذه الرياضة يدفعه إلى إعادة الحركات التي تعملها في البيت وفي أي مكان يذهب إليه برفقة والده ليطلعه على آخر ما تعلمه.
رياضة بدنية عقلية
وتعتمد رياضة "الباركور" على استخدام القدرات البدنية، وهي عبارة عن مجموعة من حركات الوثب يكون الغرض منها الانتقال من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) بأكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة. ويعدها كثيرون في غزة رياضة الحرية، ويقبل عليها الأطفال متأثرين بالعروض التي يشاهدونها على شواطئ البحر وبعض المتنزهات. وأدرجت العديد من المؤسسات المحلية هذه الرياضة ضمن برامجها لكونها تساعد الأطفال على التفريغ النفسي.
وفي عام 2019 حقق فريق "غزة باركور" حلمه وأنشأ أكاديمية "وول رانرز" الخاصة برياضة الباركور، وفق المدرب سعيد التتري، مبينًا أن مقر الأكاديمية نشأ في مدينة غزة، ومن ثم تم نقلها إلى مدينة خان يونس لتوفر المساحات المفتوحة أكثر.
وتحتوي الأكاديمية على العديد من الصناديق والأجهزة الخشبية المصممة خصيصى للقفز وتطبيق حركات الباركور من التفاف ودوران في الهواء قبل أن يسقطوا على الفرشات الإسفنجية الموضوعة لامتصاص عمليات السقوط والإصابات والصدمات في أثناء التدريب.
ويوضح التتري أن الأكاديمية تقبل المتدربين من مختلف الأعمار بدءًا من سن أربع سنوات فما فوق.
ويقول التتري: "رياضة الباركور قائمة على إتقان مهارات وحركات تفضي في النهاية إلى تغلب الشخص على مخاوفه وآلامه، ومن ثم ينتقل بهذه المهارات إلى الواقع ويطبقه في أوجه الحياة المختلفة، كما تساعد اللاعب على التحكم بعقله والتفكير جيدًا حتى يتمكن من تطبيق فن الباركور".
ويشير إلى أن هذا النوع من الرياضة يعتمد على تخطي الحواجز والصعوبات بحركات وقفزات تحتاج إلى ممارسة الكثير من التدريبات المستمرة والمنظمة لأجل إتقانها حفاظًا على سلامة اللاعب.
ويذكر التتري أن فريق "باركور غزة" كان يضم 20 شخصاً بقي أربعة منهم فقط، بعدما هاجر البقية إلى العديد من الدول الأوروبية، "لكن فكرة إنشاء أكاديمية بقيت لدى أحد أعضاء الفريق الموجود في السويد ويدعى أحمد مطر، فأسس الأكاديمية مع لاعب سويدي، ولقيت دعماً وتطوع فيها عدد من المدربين".
ويلفت إلى أن الأكاديمية تعمل كحاضنة آمنة للأطفال الراغبين بممارسة الباركور، إذ كان في بداية ظهور هذه الرياضة في غزة قبل أكثر من 15 عاماً نقفز فوق المنازل المهجورة أو المدمرة بفعل القصف الإسرائيلي لعدم وجود أماكن مناسبة للتدرب، وكثيرًا ما كانت تلاحقنا الشرطة، إلى أن باتت هذه الرياضة مقبولة في المجتمع.
مزايا الباركور
وعن مزايا ممارسة الباركور، يقول التتري إنها وسيلة مجدية للتفريغ النفسي إذ تخفف عن اللاعب صعوبة الأجواء التي يعيشها في غزة، "وتخطيه للحواجز المادية تعزز لديه الفكر القائم على تحدي الظروف والإصرار وعدم اليأس".
ويصف المدرب في الأكاديمية "الباركور" بأنها رياضة حرة، إذ يمكن للاعب ممارستها في أي مكان، سواء فوق حواجز، أو حتى الوثب العالي على الأرض.
وتضم الأكاديمية ثلاث فئات من المتدربين؛ الأولى من 6 إلى 10 أعوام، والثانية من 10 إلى 15 عاماً، والثالثة من 15 وحتى 25 عاماً.
تحديات تحت التدريب
وينبه التتري إلى أنها خطورة الباركور تزيد في حال فرض اللاعب على نفسه تحدي وهو لا يزال تحت التدريب، وهو أمر يجعله عرض لإصابات كسور قاسية، ويمكن أن تحدث بعض الإصابات لو فقد اللاعب التركيز فهي رياضة تحتاج إلى تركيز عالٍ، فأي خطوة خاطئة وغير مدروسة تهدد حياته.
وعن تجربته في ممارسة "الباركور"، يصف التتري البدايات بـ"الصعبة" إذ اعتمد على نفسه في التدريب، وأصيب مرات عدة، ولذلك يحرص حاليًا في أثناء تدريبه للأطفال على تجاوز خطر الإصابات التي تعرض لها.
ويعرف عن أمله أن تجد "الباركور" أرضية خصبة لممارستها، إذ تحتاج الصالة إلى أجهزة دفع وأخرى لتعليم القفز والتوازن ومعدات لهيكلية الحواجز غير متوفرة في قطاع غزة، إلى جانب زي خاص لا يعرقل الحركة.