يستغرق وصول المزارع عاكف جمعة إلى أرضه ببلدة كفر قدوم، شرق مدينة قلقيلية في شمالي الضفة الغربية المحتلة، بضع دقائق لا تتعدى الخمس، لكن في الحقيقة ليس بإمكانه الوصول إليها أو المشي فوق ترابها بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
يملك جمعة وأشقاؤه قرابة 50 دونمًا في البلدة البالغ تعداد سكانها أكثر من 4 آلاف نسمة؛ مزروعة بأشجار الزيتون المعمرة، والتي تسعى قوات الاحتلال وجماعات المستوطنين لاقتلاعها من جذورها.
وقال جمعة لصحيفة "فلسطين": إن سلطات الاحتلال لا تسمح لأحد من أفراد العائلة الوصول إلى أراضينا المعزولة بسبب مصادرة مساحات واسعة من أملاك المواطنين وبناء مستوطنة إسرائيلية على أجزاءٍ منها.
وتبلغ مساحة بلدة كفر قدوم 24 ألف دونم، صادرت منها سلطات الاحتلال 4 آلاف دونمٍ لإنشاء مستوطنة "قدوميم"، وتسببت هذه المستوطنة بعزل 11 ألف دونم من المساحة الإجمالية المتبقية.
وأدى ذلك إلى عدم تمكن العديد من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم إلا بتنسيق مع سلطات الاحتلال من خلال الارتباط التابع للسلطة.
وهذا ما يجري مع المزارع جمعة وأشقائه، إذ لا يسمح الاحتلال لهم بالوصول إلى أراضيهم إلا مرة واحدة أو اثتنين على الأكثر خلال موسم قطف الزيتون فقط.
في المقابل، فإن المستوطنين يسرحون ويمرحون في الأراضي المعزولة والمصادرة كيفما شاؤوا.
وقال المزارع عدي قدومي، وهو صاحب أراضٍ زراعية صادرها الاحتلال أيضًا: إن ما تقوم به سلطات الاحتلال لن يدفعنا إلى ترك أراضينا والتخلي عن ممتلكاتنا.
وأضاف قدومي لـ "فلسطين"، أنه مهما بلغت انتهاكات الاحتلال فلن نترك هذه الأرض.
وقدومي أيضًا هو واحد من ملاك الأراضي الزراعية الذي ليس بإمكانه الوصول إلى أرضه إلا بقرار من سلطات الاحتلال.
وينطبق ذات الأمر على فئة واسعة جدًا من ملاك الأراضي في كفر قدوم، ولذلك يخوض الأهالي معركة مقاومة شعبية ضد خطط الاحتلال الهادفة إلى السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية ومصادرتها.
وبيَّن منسق فعاليات المقاومة الشعبية في كفر قدوم مراد شتيوي، أن جيش الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى وتحديدًا سنة 2003، أغلق المدخل الوحيد للبلدة والذي يربطها بمحيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، لدواعٍ وحجج أمنية.
وأوضح شتيوي لصحيفة "فلسطين"، أن الأهالي في كفر قدوم، لجؤوا بعد ذلك إلى تنظيم سلسلة فعاليات للمطالبة بفتح الشارع، ورد جيش الاحتلال بوعودٍ غير صادقة بأنه سيفتح المدخل، وتبع ذلك إغلاق طرق أخرى في كفر قدوم وغيرها، وعدم فتحها إلا في الأوقات التي يسود فيها الهدوء مناطق الضفة المحتلة.
وذكر أن الأهالي قرروا عام 2011 تنظيم فعاليات مقاومة شعبية للضغط على الاحتلال لفتح الطريق الرئيسي المغلق، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم والمسيرات مستمرة رغم كل إجراءات القمع التي يستخدمها الاحتلال لوقف ومنع انتشارها وزيادة زخمها.
وبالفعل استطاع أهالي كفر قدوم مواصلة الفعاليات والمسيرات لتصبح يومين في الأسبوع، الجمعة والسبت، بدلاً من يومٍ واحد، إضافة إلى أن حالة المقاومة الشعبية داخل البلدة ضد توغلات المستوطنين وقوات الاحتلال.
وأكد شتيوي، وهو مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شمالي الضفة، أن الأهالي يتعرضون لسلسلة من الانتهاكات أبرزها؛ عمليات التوسع الاستيطاني، والمنع من حرية الحركة، وزيادة القيود على البلدة خاصة من خلال منع أهلها من استخدام الطريق التاريخي فيها الموجود قبل ظهور الاحتلال على أرض فلسطين.
ولفت إلى أن الأهالي يتصدون على الدوام لاعتداءات وجرائم المستوطنين وخاصة خلال موسم قطف الزيتون، وتشمل هذه الاعتداءات حرق المستوطنين للأشجار، وسرقة المحصول، ومنع المواطنين من الوصول لأشجارهم من أجل قطف ثمارها.
وبيَّن أن إقامة قوات الاحتلال حواجز عسكرية عند مدخل بلدة كفر قدوم يجعلها سجنًا كبيرًا.
ونبَّه إلى أن قمع قوات الاحتلال العنيف للمسيرات السلمية المناوئة لعمليات التوسع الاستيطاني في أراضي البلدة ومحيطها والقرى الأخرى، واستخدم أسلحة فتاكة؛ شمل الاستخدام المفرط لقنابل الغاز المتنوعة، وأحيانًا يتم إطلاقها بشكل مباشر على أجسام المواطنين، ما أدى إلى وقوع عشرات الإصابات منها إصابات خطيرة بالرأس.
وأشار إلى استخدام الرصاص المعدني المغلف بالمطاط والرصاص المتفجر كذلك وبشكل مفرط تجاه المشاركين في المسيرات السلمية، ما أدى إلى إصابة العديد من المواطنين بجروح خطرة بينهم أطفال أصيبوا بشلل نصفي بسبب استهداف منطقة الرأس والجزء العلوي من الجسد.
وكشف أن من بين المصابين، من فقد عينه، ومن فقد القدرة على النطق، ومنهم من أصيب بالشلل الرباعي، بسبب الأعيرة التي يستخدمها جيش الاحتلال.
وذكر أن قوات الاحتلال تشن حملات اعتقال باستمرار، طالت أعدادًا كبيرة من بين السكان ببلدة كفر قدوم، بينهم أطفال، وتلجأ إلى فرض غرامات باهظة عليهم، حيث وصل إجمالي الغرامات إلى ربع مليون شيقل.