قائمة الموقع

هرَّة في الشارع..

2022-08-27T09:21:00+03:00

د. زهرة خدرج

كاتبة وروائية فلسطينية

كان الجو باردًا، غيومٌ سوداءٌ كثيفة تغطي السماء، كم أُحب هذا الجو! أشعر بسعادة غامرة! نظرتْ جدتي من النافذة وقالت: سيكون اليوم شديد المطر.

كنت أرتدي ملابس المدرسة، حين قالت جدتي: هيا.. سارع إلى الذهاب الآن، قبل أن تبدأ السماء في المطر.

ارتديت سترتي السميكة بسرعة، وحملت مظلتي وحقيبتي وسارعت إلى الخروج.

قبل أن أخرج من الحارة، سمعت هرَّة صغيرة تموء مواءً متلاحقًا، أجلت نظري في المكان، وجدتها تختبئ أسفل عجل سيارة أحد الجيران، حجمها صغير، وأُرجح أن سنها لا تزيد على ثلاثة أسابيع، وشعرها مبلل، وجسدها يرتجف بردًا.. وأنا واثق بأنها جائعة جدًّا.

اقتربتُ منها، فخافتْ والتصقتْ أكثر بالعجل، قلت في نفسي، سيخرج أبو سعيد إلى عمله بعد قليل، وسيدوس الهرَّة بعجل السيارة دون أن ينتبه، وحتى وإن هربت من العجل، فستموت بردًا وجوعًا بعيدًا عن أُمها.. لا بد أن أفعل شيئًا!

تناولتها بسرعة، وقفلت عائدًا إلى البيت، أحضرت صندوقًا من الكرتون، وضعتها فيه وأحضرت خبزًا بللته بحليب دافئ وضعته لها داخل الصندوق.. وتركتها في الصالة.

طرقت باب غرفة جدتي، وعندما أذنت لي دخلت وقلت: جدتي، عثرتُ على هرَّة تكاد تموت بردًا وجوعًا.. أرجوك، اعتني بها حتى أعود من المدرسة، دفئيها.. عليَّ أن أذهب.

وقبل أن تتفوه جدتي بكلمة، قفزت للخارج إلى مدرستي قبل أن يفوتني الوقت.

طوال ساعات دوامي في ذلك اليوم كنت أُفكر في الهرَّة: سأعتني بها، وتكبر، وتبقى عندي، ستصبح صديقتي، أُلاعبها، وأُدربها على أشياء كثيرة، تصورت نفسي وأنا أُدرِّب الهِرة على طرق الباب حين تريد الخروج، وعلى حركات معينة بيديها حين ترغب باللعب معي.. وفجأة تذكرت: يجب أن أُعطيها اسمًا يناسبها، أليس كذلك؟ ماذا أُسميها يا تُرى؟ ماذا أُسميها؟

اسم لؤلؤة يليق بها، لأنها بيضاءُ مثل اللؤلؤ.. رمادية العينين!

اسمها لؤلؤة.. اسم جميل!

نزل المطر بشدة طوال الوقت، ولم يتوقف عندما قرع جرس العودة للبيت. ولم أستطع انتظار بعض الوقت لعل شدة المطر تهدأ.. الهرَّة بانتظاري!

في حارتنا سمعت مواء قطة كبيرة، تموء بطريقة لافتة للانتباه، وتبحث هنا وهنا برغم المطر، كانت مبتلة جدًا.. تُشبه هرتي الصغيرة في لونها، أحسست أنها والدتها، جاءت تبحث عنها.. دخلت في صراع داخلي: هل أُبقى الهرَّة الصغيرة في الداخل، وأحتفظ بها لنفسي؟ أم أُخرجها لتراها هذه القطة، فإن كانت أُمها حقًّا أخذتها وذهبت بها؟

احترتُ ماذا أفعل.. أتمنى دومًا لو أن لدي قطة، وقد جاءتني الفرصة بسهولة.. فهل أتخلى عنها؟ ولكن.. هل أحتفظ بها وأحرمها من حنان أُمها ودفئها، وأحرم أمها منها؟ هذه القطة الكبيرة تبحث بإصرار وتموء برغم المطر.

سارعتُ إلى جدتي وحذائي مبلل وملابسي تقطر ماء برغم المظلة التي أحملها، أخبرت جدتي بما حدث وأنا ألهث بصوت مسموع. قالت جدتي: يا صغيري، أُدرك تمامًا رغبتك باقتناء الهرة، وحبك للحيوانات اللطيفة.. ولكن، لهذه الهرَّة الصغيرة أُمٌّ تبحث عنها.. وهذه الصغيرة تحتاج إلى أن ترضع من أُمها.. فلا تحرمهما من بعض.. هيا.. خذ الهرَّة وضعها أمام أُمها قرب الباب وراقب ماذا يحدث!

أطعتُ جدتي، وفعلتُ ما أمرتني به، ووقفتُ أُراقب.. فما إن سمعت القطة الأم مواء صغيرتها حتى سارعت إليها برغم المطر الشديد، أخذت تشمُّها في البداية، ثم أخذت تلحس رأسها وظهرها، ثم حملتها من عنقها بفمها وفرَّت هاربة بسرعة كأن أحدًا يطاردها.

شعرت بسرور عظيم لرؤيتي اللقاء الحميمي بين الأم وصغيرتها.. وعدت لجدتي أُخبرها بما جرى. 

اخبار ذات صلة