أقدمت مستوطنة صهيونية على تصوير نفسها في ساحات المسجد الأقصى وهي "شبه عارية" في أثناء مشاركتها في عمليات الاقتحام والتدنيس التي يمارسها الجنود والمستوطنون على مدار الساعة، هذه المستوطنة الصهيونية كانت قاصدة الظهور بهذه (الصور الفاضحة)، لأن هذا الفعل لم يكن مجرد صورة عابرة، فهو يأتي ضمن سلسلة من الأعمال العدوانية والاستفزازية الممنهجة التي تستهدف الأقصى والتي تنوعت ما بين الاقتحامات وإقامة الصلوات والطقوس الدينية المختلفة التي يهدف من خلالها العدو الإسرائيلي إلى تغيير هوية الأقصى وتهويده وفرض واقع جديد لا يكون فيه للفلسطينيين بل المسلمين جميعًا أي أثر أو وجود، فالصور التي نشرت مؤخرًا وجلبت ردود أفعال منددة هي مقدمة لأعمال مشابهة قد يقدم عليها الاحتلال ربما تكون أكثر استفزازًا وإيلامًا لمشاعر الفلسطينيين وعموم المسلمين.
ولو توقفنا قليلًا لقياس مستوى ردود الفعل ومدى تأثيرها في الاحتلال سنجد أنها كانت "محدودة بل محدودة للغاية"، لأن المواقف وردود الفعل فقط (انحصرت في الإعلام المحلي) وبعض وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ليس كافيًا! فالمعركة ليست معركة إعلام فقط مع أهميته، والمطلوب التحرك في كل الاتجاهات في وجه هذه الممارسات العدوانية، والاحتلال لن يرتدع ولن يتراجع تحت ضغط الإعلام المحلي، أو التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسيستمر في سلوكه العدواني بل ربما يصعده بسبب "غياب التأثير الحقيقي" لأدواتنا، والأمر يحتاج إلى إستراتيجة عمل مختلفة تمامًا تحقق أفضل النتائج التي نسعى لتحقيقها.
فمن يريد صناعة (تأثير حقيقي) وفاعل، يجب عليه أن يخلق حالة عامة من الغضب في الشارع العربي والإسلامي، ويوسع من دائرة ومساحة التغطية بحيث ينتقل من (المحلي) إلى الإقليمي والدولي، وألَّا يكتفي بذلك؛ لأن الإعلام إحدى الأدوات وليس كلها، فهناك مساحات عمل أخرى (سياسيًّا، ودبلوماسيًّا) لتحشيد المواقف المتضامنة مع شعبنا والمناهضة لما يفعله الاحتلال، وفي ذات الوقت يجب ألَّا نغفل (العمل الميداني) وأقصد بذلك تصعيد حالة الاشتباك مع الاحتلال واستهداف جنوده ومستوطنيه في الساحات الأكثر تأثيرًا، ومنها "الضفة، والقدس، والـ48"، والقيام بأدوار أخرى لممارسة أقصى درجة من الضغط عليه، حتى يعلم العدو بأن أي خطوة في القدس والأقصى سيكون لها ثمن كبير، ومن ثم: يكون مجبرًا على التراجع وتغيير سياساته ولجم جنوده ومستوطنيه ومنعهم من القيام بأي فعل عدواني واستفزازي.
لكن وفي غمرة الحديث حول الجريمة الأخيرة التي تورطت فيها المستوطنة الإسرائيلية التي وصفتها العديد من وسائل الإعلام بأنها (عاهرة صهيونية) وفحص ردود الأفعال ومدى تأثيرها والخيارات المتاحة للرد بشكل أكثر فاعلية، يجب ألَّا نغفل الحديث عن البيئة التي شكلت "ضوءًا أخضر" ومهدت الطريق لكل الأفعال العدوانية بحق الأقصى وهي (مسار التطبيع) العربي والتحالف مع الاحتلال في السنوات الأخيرة، التي كان لها عظيم الأثر في دفع الاحتلال لتصعيد عدوانه على شعبنا، والاستفراد بالقدس والأقصى، والتفكير في إنهاء الوجود الفلسطيني في القدس والأقصى وهو يسعى حاليًّا وبخطوات متسارعة لتحقيق هذا الهدف مدعومًا بدعم عربي وغطاء أمريكي واسع النطاق وغير مسبوق.
وقبل ذلك كله تخاذل المستوى الرسمي (السلطة الفلسطينية) عن القيام بدور وطني وسياسي مسؤول يمكن أن يحمي الأقصى ويمنع الاحتلال من الاستمرار في عدوانه، إذ إنه وفي كل مرة تكون هناك مواقف "خجولة ومترددة" وفاقدة للتأثير تجاه أي عدوان بحق القدس والأقصى، وفي كثير من الأحيان يجري التراجع عنها أو توضيح الغرض منها نتيجة اعتراض الاحتلال عليها، وفي الوقت ذاته بقاء التنسيق والاتصال بهذا العدو على مدار الساعة من قبل كوادر وقيادات السلطة التي تتحمل مباشرة مسؤولية ما يجري لأنها الجهة المخولة (سياسيًّا، ووطنيًّا، وقانونيًّا) لاتخاذ إجراءات كفيلة بردع الاحتلال إلا أنها تتهرب من مسؤولياتها، وفي ذات الوقت تسعى جاهدة لإفشال أو إجهاض أي تحرك سياسي من قبل الفصائل الفلسطينية وتمنع انطلاق أي فعل مقاوم من المناطق التي تسيطر عليها، وهذه كارثة أخرى، فلا هي تريد التحرك ولا هي تسمح لأي مكون فلسطيني بالتحرك للدفاع عن القدس والأقصى، وإذا ما نجح أي فعل مقاوم ضد الاحتلال فإنها تسارع للتنديد والاستنكار وربما تتضامن مع الجرحى من الاحتلال كما فعلت في مرات عدة.