ذكرت في مقالات سابقة دور السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن في الترتيبات الأمنية مع "إسرائيل"، هذا الدور الوظيفي المشبوه الذي تمارسه السلطة منذ عشرات السنين، وللأسف، لم يجن إلا كل الخزي والعار على السلطة من جانب، والضرر البالغ على الشعب الفلسطيني، وخصوصًا، المقاومة الباسلة من جانب آخر.
وهناك أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات واضحة وشافية من القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها السيد محمود عباس (أبو مازن)، منها على سبيل المثال:
لماذا كل هذا الارتماء في أحضان الكيان الصهيوني من خلال التنسيق الأمني الذي شوه تاريخ القضية الفلسطينية، واحتل الأرض وانتهك العرض؟
ماذا حققت السلطة الفلسطينية في التعامل مع انتهاكات "إسرائيل" المتتابعة في غزة وغيرها، ووحشيتها التي تقتل البشر، وتهدم الحجر؟
ماذا قدمت سلطة أبو مازن لحق الفلسطينيين في العودة لبلدهم الأم فلسطين؟
ما موقف هذه السلطة من المطبّعين العرب الذين ارتموا في أحضان "إسرائيل"، وأضروا بالقضية الفلسطينية برمتها؟
ما هو دور السلطة في توفير الحد الأدنى من العيش للشعب الفلسطيني في غزة والضفة ورام الله على التساوي؟
ما هو دور منظمة التحرير الفلسطينية في احتضان كل الفصائل الفلسطينية، والاتفاق معها على أجندة مشتركة لتحرير فلسطين من المغتصب المحتل؟
هذه الأسئلة، وغيرها كثير، تحتاج إلى إجابات واضحة من السلطة الفلسطينية بكل قياداتها، ومنظمة التحرير الفلسطينية بكل فروعها. وفي تقديري إن لم يكن هناك مكاشفة ومصارحة في معالجة هذه القضايا، فلتتنحى هذه السلطة بكل قياداتها، وتترك المجال للشعب الفلسطيني يختار من يمثله لتحرير أرضه المسلوبة، ومواجهة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة.
ولعل التصريحات الأخيرة التي أدلى بها حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لدليل قاطع على موقف السلطة السلبي؛ حيث قال: إن هناك إجماعًا فصائليًّا وشعبيًّا بأن الأداء السياسي والعسكري للسلطة الوطنية "أصبح عبئًا على الشعب الفلسطيني".
وأضاف بدران في لقاء مع برنامج (المسائية) على قناة الجزيرة مباشر، الثلاثاء 10 أغسطس/ آب 2022، أن "مفاوضات السلطة الفلسطينية مع العدو غير مجدية، وخلّفت حالة شاملة من الانسداد السياسي".
وذكر بدران أن انخراط السلطة في التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة لم يقدّم أي نتيجة تُذكر سواء بالنسبة للسلطة، أو للشعب الفلسطيني.
ومن ثمَّ على السلطة، الاستجابة لعملية وحدة الساحات، وأنها فرصة ذهبية للسلطة الفلسطينية للعودة إلى عمقها الشعبي، والشروع في برنامج مشترك، يقوم على التعامل مع العدو الإسرائيلي على أنه عدو يجب مقاومته وليس جارًا يجب الرضا بوجوده.
دور المقاومة في مواجهة المحتل الإسرائيلي
المقاومة الفلسطينية في الأربعين عامًا الأخيرة، شهدت تطورات عدة، منها التطور في أساليب وأشكال مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي في القدس، وغزة، والضفة، والداخل المحتل.
ولكن، للأسف، نجد أن السلطة الفلسطينية انضمت إلى العدو في حملة شعواء تستهدف كل من يرفع السلاح، أو حتى يفكر في مقاومة العدو، واندفعت في عمليات تنسيق أمني مع العدو كي تثبت جدارتها من خلاله بوضعية الشريك في العملية السلمية.
ومن ثمَّ صارت الأوضاع أصعب على المقاومين في الضفة الغربية، وقطاع غزة مما كانت عليه أيام مواجهة "إسرائيل" وحدها، فقد صارت السلطة، بكل أسف، تتعاون مع المحتل ضد الفصائل الفلسطينية بكل تنوعاتها.
ومع توالي الاجتياحات الإسرائيلية لقطاع غزة، والمواجهات المتكرّرة مع فصائل المقاومة، ازدادت الخبرة القتالية لدى الأجنحة العسكرية فيها، وتحديدًا كتائب القسام، وسرايا القدس، فصارت أكثر فاعلية.
ويعتبر عام 2014 علامة فارقة في تاريخ المقاومة إذ نجحت في إطلاق صواريخ من داخل غزة أصابت أهدافها في الكيان الإسرائيلي، على الرغم من محدودية مداها ودقتها. ولذلك بذلت "إسرائيل" كل جهد للقضاء على القدرات العلمية واللوجستية والكفاءات القيادية التي تتمتع بها المقاومة في غزة، وفعلاً نجحت في استهداف عدد من أهم قيادات العمل المسلح والمسؤولين عن القدرات الصاروخية.
وفي مواجهة سيف القدس العام الماضي 2021 في غزة بين كتائب عز الدين القسام، والعدو الصهيوني، ظهرت القدرات الكبيرة والمبهرة للمقاومة الفلسطينية التي تمكنت في غضون أيام معدودات من زعزعة الكيان الإسرائيلي، عن طريق آلاف الصواريخ التي أصابت أهدافها حتى في عمق الكيان الإسرائيلي. كذلك ظهرت حالة من الوحدة الكفاحية بين الفصائل تمثّلت في غرفة عمليات مشتركة لإدارة المعركة.
وكان ظاهرًا للعيان إخفاق جيش الاحتلال وقبته الحديدية في التصدي لصواريخ المقاومة، وهذا إنجاز عظيم للمقاومة. ولم يعد العدو يجرؤ على تنفيذ اقتحامات واجتياحات برية لغزة، ولم يعد يتحمل الاستمرار في المعركة طويلاً.
وعليه فإن المقاومة الآن في حالة تصاعدية من حيث القدرات والإمكانيات، ومع كل يوم يمر تزداد قوتها، وهي تتوعد العدو بمزيد من المفاجآت النوعية في حال اندلاع أي مواجهة جديدة. بل إن العدو اليوم بات يتخوف ويتحسب من انتقال المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية أيضًا.
أم الشهيد إبراهيم النابلسي النموذج الفذ
تُشكِّل الأم الفلسطينية بشكل عام نموذجًا للصمود والتربية الفذة، وهناك نماذج عديدة لذلك، ومن أبرز هذه النماذج في الأيام الأخيرة أم الشهيد إبراهيم النابلسي الذي قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي مع اثنين آخرين في نابلس يوم الثلاثاء 10 أغسطس/ آب 2022، وهي تدعو لابنها الشهيد مؤكدة أنه انتصر، وأطلقت زغاريد فرحًا باستشهاد ولدها.
وقالت داعية "اللهم استودعتك فلذة كبدي، استودعتك من كان عندي وأصبح عندك يا الله، اجعل الجنة مدخله، وأكرمه وارض عنه وأرضه"، كما ظهرت وهي تحمل سلاحه خلال تشييع جثمانه ووداعه إلى مثواه الأخير.
وأكدت أم الشهيد إبراهيم النابلسي أن ابنها - القائد في كتائب شهداء الأقصى ـ كان يتمنى الشهادة، مؤكدة أنه بشهادته انتصر على قوات الاحتلال. وذكرت أن ابنها كان يمثل رعبًا للكيان، وأوضحت أن فلسطين ولّادة ولا تلد إلا أحرارًا يدافعون عن الأقصى والقدس.
وانتقدت أم إبراهيم من يقولون إن الشعب الفلسطيني تعب من كثرة شهدائه، قائلة إنه إذا كان ابنها إبراهيم قد استُشهد فإن هناك آلافًا من أبناء الشعب الفلسطيني على استعداد للتضحية والشهادة دفاعًا عن مقدساته. وأنهت حديثها بالقول: "إبراهيم شرّفنا حيًّا وشهيدًا".
ولم ينج الأطفال من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، حيث استشهد العشرات من الأطفال الأبرياء، ومنهم الطفلة "آلاء عبد الله قدوم"، ذات الخمسة أعوام فقط، التي استشهدت عندما كانت تلهو أمام منزلها في حي الشجاعية شرق غزة، بعد قصف طائرات الاحتلال، دون أي سابق إنذار. وأُصيبت الطفلة بشظية، وارتقت شهيدة متأثرة بإصابتها.
وهذا مؤشر جديد على دموية الاحتلال، وجرائم حربه التي يشنها باستمرار على قطاع غزة المحاصر. وباستشهاد الطفلة آلاء، يرتفع عدد الشهداء الأطفال في فلسطين منذ عام 2000 إلى 2230 شهيدًا.