أمام لوحته التي تجسد أزقة وحواري القدس العتيقة، وقف الفنان محمد الشريف برفقة مجموعة من الشبان يحاول شرح المغزى من تفاصيل الرسم ماراً بسبابته فوق حدود زهر الأقحوان الحزين، ليقول بعلو صوته: "هذه رسالتنا هنا، القدس هي ملح الأرض.. كل الأرض".
اللوحة التي كانت مرسومة بنمط الحرق على الخشب، كانت واحدةً من ضمن ثلاث وثلاثين لوحة مشابهة، شارك بها الشريف في معرضٍ حمل عنوان (القدس ملح الأرض)، الذي أطلقه مركز "رواسي فلسطين" للثقافة والفنون، وضم بين جنباته بالإضافة إلى لوحات الشريف الخشبية، لوحات زيتية للفنان جهاد الشرافي، تحاكي الفكرة والمضمون حول القدس.. التاريخ.. التراث.. والحضارة.
اللوحات تنوعت بين تعبيرية عن معاناة الأسرى في سجون المحتل، وحصار المسجد الأقصى الأخير، وأحلام أطفال فلسطين، وتراث الأجداد من طاحونة القمح اليدوية إلى ملابسهم المطرزة، فيما اشتركت كلها في شيء واحد هو إشراقات الأمل بنصر وتحرير قريبين.
مقاومة مشروعة
الفنان الشريف، تحدث عن دور الفن في إيصال رسالة فلسطين إلى العالم كله فقال: "الفن هو شكل من أشكال الثورة، وهو نوع من أنواع المقاومة ضد المحتل، وها هو اليوم يؤدي دور الداعم الأول لقضية القدس والناصر الأساسي للمسجد الأقصى"، منبهاً إلى أن الرسالة الأساسية من المعرض هي التأكيد على أن كل أساليب النضال مشروعة ضد المحتل، ومن حق الشعب الفلسطيني اعتمادها كلها وعلى رأسها الفن لسرعة وصوله إلى العالم.
وركزت اللوحات بشقيها الزيتي والخشبي على الشبان الثائرين في وجه البوابات الإلكترونية، وكاميرات المراقبة التي يحاول الاحتلال زرعها منذ زمن بعيد داخل المسجد الأقصى وفي محيطه ليحكم السيطرة على أركانه ويرسخ لفكرة هيكله المزعوم، بالإضافة إلى التطرق إلى انتهاكات الاحتلال ضد الأطفال والأسرى، والمقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.
الشريف الذي زاوجت لوحاته بين الألم والأمل والحنين إلى رائحة الشوارع العتيقة هناك في بيت المقدس، أكد أنه تعمد استخدام طريقة الحرق على الخشب في رسم لوحاته لكشف التناقض بين معنى "الحرق" الذي يتجلى في الفناء، وكيف تحول إلى حياة من خلال تشكيل هذه اللوحات والمعاني السامية، معلقاً بالقول: "كما ترون، ركزت على المرأة الفلسطينية في معظم لوحاتي كوني أؤمن بأنها أساس القوة داخل المجتمع الفلسطيني، هي صاحبة أكبر الأدوار في التربية والرباط والمقاومة، ولهذا كان لا بد من تكريمها في هذا المقام بشكل يليق بتضحياتها الكبيرة".
أقل دعم
زوار المعرض أبدوا إعجاباً كبيراً بمحتواه، خصوصاً وأنه جاء تزامناً مع فرحة انتصار الأقصى والمرابطين فيه ضد قرار الاحتلال تركيب البوابات الإلكترونية، وزرع كاميرات المراقبة في محيطه، عن ذلك الشعور تصف عواطف السقا وهي فنانة تشكيلية: "أقل ما يمكن أن يقدمه الفن دعماً للوطن لوحة تؤرخ لنضال الشعب الفلسطيني، الفرحة وسط هذه اللوحات فرحتان، فرحة النصر في الأقصى، وفرحة أخرى تتجلى في المشي بين هذه اللوحات الرائعة التي تكشف عن إبداعات راقية موجودة في قطاع غزة يمكن أن تتحدى العالم لولا الحصار".
محمد أبو ظهير زائرٌ آخر، يقول لـ "فلسطين": "اللوحات أكثر من رائعة، تحيي في القلوب الكثير من الأمل تجاه انتصار قريب، الجميل أن غزة بكل الألم الذي تحمله بين شوارعها بسبب الحصار كانت قادرة على مشاركة أهل القدس فرحتهم الكبيرة من خلال الكثير من الفعاليات الراقية كهذا المعرض على سبيل المثال".
ومثله أكدت فداء المشهراوي، أن المعرض أكثر من رائع، خصوصاً وأنه يعيد إلى الأذهان صورة القدس التي تتمنى أن تزور أرضها وتقبل ترابها منذ زمن، قائلةً: "بهذا المعرض نشكر صمود أهل القدس، ونؤكد على تاريخ قضيتنا، وكذب وافتراء قادتهم".