فلسطين أون لاين

حريق المسجد الأقصى وحكاية ألف شهيد وشهيد

ثلاثة وخمسون سنة مرت على جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك التي ارتكبها يهودي أسترالي متطرف بتاريخ 21-08-1969م بتحريض مباشر من الحركات اليهودية المتطرفة مثل "أمناء جبل الهيكل" وأخواتها من الحركات الإرهابية التي دأبت على التحريض والتخطيط المتواصل لتدمير المسجد الأقصى، وحاولت تنفيذ عدة محاولات لنسفه وتدميره تارة، وارتكاب مذابح بحق المرابطين فيه تارة أخرى، بهدف إقامة هيكل يهودي تطبيقًا لخرافات تلمودية اختلقها الكهنة الصهاينة في محاولة لإيجاد رابط عقدي بين الاحتلال الصهيوني والأرض المقدسة.

 واليوم ونحن نستذكر بشاعة تلك الجريمة الشنيعة نتابع مخططات تلك الحركات اليهودية المتطرفة التي أضحت صاحبة اليد الطولى التي تهيمن على القرار السياسي في كيان الاحتلال، وتسيطر على غالبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي، وتشكل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تعمل جاهدة لإذكاء نيران حقدها تجاه الفلسطينيين الصامدين فوق أرضهم، وتنفذ حفريات تهويدية مستمرة في محاولة لهدم المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، وتستخدم أبشع الأساليب الإرهابية من الإعدام الميداني للفلسطينيين الأبرياء دون محاكمة، وتهويد البلدات العربية، في محاولة لطمس الهوية العربية والإسلامية من خلال مصادرة الأراضي والممتلكات، وتوسيع الاستيطان اليهودي على مدار الساعة، ومحو الآثار العربية والإسلامية التي تضرب جذورها في عمق الأرض الفلسطينية، وتشديد الحصار على مليوني فلسطيني في غزة، في محاولة يائسة لإطفاء جذوة المقاومة المتقدة، التي أضحت منارة يستنير بنورها الشباب الفلسطيني الثائر في مخيمات الضفة وبلدات القدس، وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948م.

تأتي ذكرى إحراق المسجد الأقصى هذا العام في ظلال احتفال شعبي وطني أقامته قوى المقاومة الفلسطينية في غزة، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، بمشاركة ألف عائلة وأسرة فلسطينية قدمت فلذات أكبادها شهداء دفاعًا عن القدس وفلسطين، ولسان حالهم أن شعب فلسطين في عمومه هو شعب الشهداء، وهو أهلٌ للتضحية والفداء، فلا يكاد يخلو بيت فلسطيني من وجود شهيد أو جريح أو أسير، وقد لا نجد فلسطينيًّا عاش في أرض فلسطين على مدار العقود الماضية، ولم يذق مرارة الاحتلال.

حكاية ألف شهيد وشهيد هي روايات لا يشاهدها الشعب الفلسطيني عبر شاشات التلفاز، بل يتابع فصولها لحظة بلحظة ويحياها واقعًا ملموسًا، ومعاناةً يتجرعها في مدن وبلدات فلسطين يومًا بعد يوم، لكنه رغم مرارتها يرفض الخضوع أو الإذعان للاحتلال، فالشهيد يخلفه ألف شهيد، والأسير يؤمن بأن قيده سينكسر في قابل الأيام رغم أنف السجان الصهيوني.

حكاية ألف شهيد وشهيد في غزة سطّرتها كلمة حماسية ألقاها قياديٌّ في المقاومة هو والد لشهيد ثائر، وروت فصول معاناتها فتاة يافعة هي ابنة لعائلة فقدت اثنين وعشرين من أفرادها الذين ارتقوا شهداء بينما كانوا نيامًا في بيوتهم آمنين، وأكدت عِظَم تضحياتها مئات الصور التي ارتفعت وسط احتفال غزة لشهداء من مختلف الفئات والأعمار، وكأننا نُبحر في بحر الشهادة والفداء دفاعًا عن وطننا السليب فلسطين.

في مهرجان الشهداء في غزة تحدثت والدة الشهيد إبراهيم النابلسي من نابلس جبل النار، لتحيي عوائل الشهداء، وتخبرهم بأن دماء غزة امتزجت بدماء الضفة والقدس، وأن ثوار غزة هم إخوان لثوار الضفة، خاطبت مقاومة غزة، وطالبتها بتنفيذ وصية نجلها الشهيد بعدم إلقاء السلاح، وما علمت تلك الأم الصابرة أن وصية ولدها الثائر هي وصية ألف شهيد وشهيد قضوا في مسيرة التحرير.

حكاية ألف شهيد وشهيد عاشتها عائلات الشهداء في غزة وسط أوبريت فني بالغ الروعة، استحضر الفنانون المبدعون خلاله روابط الدم بين غزة والضفة والقدس، في عمليات المقاومة وإعدادها تحت الأرض وفوقها في غزة، وفي عمليات الطعن البطولية التي ينفذها ثوار الضفة والقدس، ولسان الحال أن شعبنا الفلسطيني توحده المقاومة وتشد من أزره بطولات الفداء التي يرويها الشباب الثائر في بلدات القدس ومخيمات الضفة المحتلة.  

ختامًا ونحن إذ نستحضر عهد الشهداء، وندعو لهم بالرحمة والغفران، ونواجه مخططات الاحتلال التهويدية في الضفة والقدس، نؤكد مرة تلو المرة، بأن شعبنا ثابت فوق أرضه، مرابط في مسجده الأقصى المبارك، ولن يسمح للاحتلال مهما بلغ من الجبروت والطغيان أن يقتلعه من هذه الأرض المباركة.