فلسطين أون لاين

بعيون الشوق يستكشف البلدة القديمة في الخليل

تقرير المحرر "مريش" عن 18 عامًا في الأسر: "سُجنت لأجل حرية وطني"

...
الأسير المحرر فراس مريش (وسط يمين)
غزة - يحيى اليعقوبي

 

على مدار أسبوعه الأخير داخل السجن لم يذق طعمًا للنوم، مرَّت الأيام بطيئة يتمنى فيها قدوم آخر يومِ ظلامٍ ليخرج منه إلى النور، يسأله الأسرى: ماذا ستفعل عند لحظة الوصول للحاجز؟ فيخبرهم أنه سيترك نفسه لتلقائيتها، ثم حمل حقيبته وتركهم والدموع في عينيه راجيًا الله أن يعجل فكاكهم.

فتح السجن أبوابه أخيرًا له وخرج كطائرٍ يحلق في سماءِ الفرح، تاركًا خلفه ثمانية عشر عامًا من الظلم والجور الإسرائيليين، ليرى الشمس لأول مرة دون شباك زنزانة يحجب أشعتها وقرصها المستدير، وليتنفس هواءً صافيا لم يزره في غياهب السجون.

اتجه إلى أمه مسرعًا وهي تفرد له ذراعيها وقد امتلأ قلبها بهجة، وعانقها راجيا منها السماح بدموع امتزجت فيها كل المشاعر: "سامحيني، تعبتك معي"، ثم قبل قدميها.

فراس مريش محرر أفرج الاحتلال عنه في 15 أغسطس/ آب الجاري بعد قضاء محكوميته البالغة 18 عاما، وهو من سكان البلدة القديمة بمحافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وكان قد اعتقل في 15 أغسطس 2003 بسبب نشاطه النضالي والمقاوم وهو لم يتجاوز عمره 25 عاما آنذاك.

فرحة الحرية

فراس الذي انتظر بفارغ الصبر لحظة تحرره، عبّر عن مشاعره بإطلاقه حمامات إلى السماء، يبتسم في حديثه لصحيفة "فلسطين" ابتسامة صبر وانتصار على السجان وهو يقول: "لا شيء أجمل من الحرية، ونحن دخلنا السجن لأننا نريد حرية الوطن".

يتأمل حجارة البلدة القديمة في الخليل ويضيف: "فرحتي لا تعادلها فرحة، أقف أمام هذه الحجارة التي بقيت صامدة، أشتم عبقها، أشعر بفخر عظيم، لا أبالغ إن قلت إن ثمانية عشر عامًا لا تساوي شيئًا مقابل هذه الحجارة، تتجدد ذكريات الطفولة، والمقاومة والانتفاضة الثانية، أرى تغير الواقع هنا، بزيادة غطرسة الاحتلال والمستوطنين".

لكن رغم تغير الواقع في الخليل، كان هناك ما يبعث في قلبه الأمل "رأيت نظرات الأمل في أعين الأطفال والكبار هنا، رجل لا مصدر دخل لديه يفتح محله يوميا رغم عدم وجود حركة تجارية، ورغم عرض الاحتلال عليه مبالغ مالية ضخمة لبيع محله، هذا الصمود للإنسان والحجارة يبعث الطمأنينة في داخلي".

كانت أمنية والدته الوحيدة بعدما طرقت الرابعة والسبعين من عمرها، أن تكتحل عيناها برؤيته وتحتضنه وتزوجه، احتار في التعبير عن مساندة أمه له: "أمي، قبلت قدميها ويديها وعانقتها وأشعر بالخجل، فلا كلمات تكافئ صمودها، كانت تلحقني من سجن إلى سجن، تتحمل عذابات الزيارات طيلة تلك السنوات، منذ آخر أسبوعين لم تنم، كانت تنتظر حريتي ومعانقتي، والحمد لله حقق الله أمنيتها".

معارك الأسرى

يلقي نظرة داخل السجون، إذ حاول الاحتلال إعادة الأسرى إلى "نقطة الصفر" إلى عام 1967، عقب عملية "نفق الحرية" من سجن "جلبوع"، وكان من ضمن إجراءاته محاولة اقتصار "الفورة" على ساعتين فقط يوميا "رغم أننا في الوضع الطبيعي نخرج من السابعة حتى الحادية عشرة صباحا، ومن الواحدة ظهرا حتى السادسة والنصف مساءً، لكن بنصف عدد أسرى القسم، حيث لا يسمح بخروج القسم دفعة واحدة".

وحاول الاحتلال إقامة بوابات إلكترونية لكن الأسرى واجهوا المشروع، مردفًا: "بكل فخر أسقطنا المشروع والهجمة، علمًا أن حياة الأسرى في السجون صراع مستمر، ربما تختلف أشكال النضال فيه، لكن الأسير منذ دخوله السجن لا يفكر إلا بأمرين في الخارج؛ عائلته الصغيرة ووطنه".

محمد مريش (46 عامًا) يكبر شقيقه المحرر بثلاث سنواتٍ، حرم من زيارة شقيقه لمدة عشر سنواتٍ بين عامي (2005- 2015)، يتحدث عن سنوات السجن التي أكلت من عمر شقيقه: "قضى أخي أكثر من ثلث عمره في السجن، كان يمكن أن يكون لديه أبناء، فهذه الأشياء -وإن كانت فرحة الإفراج لا تضاهيها فرحة– تترك في القلب غصة".