فلسطين أون لاين

نهج معاكس لسلوك "أجهزة أمن المقاطعة"

تقرير تنفيذ أبناء "ضباط" بالضفة أعمال مقاومة.. إخفاق مزدوج للسلطة والاحتلال

...
التنسيق الأمني في الضفة بين السلطة وجيش الاحتلال - أرشيف
رام الله-غزة/ يحيى اليعقوبي:

بدأت صورة الترويض الأمني لأجهزة أمن السلطة بالضفة الغربية تنقلب وتحمل تناقضًا مفاجئًا للاحتلال والسلطة معًا لم يجدوا له تفسيرًا، ففي وقت تلاحق تلك الأجهزة المقاومين وتشن حملات اعتقالات سياسية شرسة وتفض مراسم استقبال الأسرى، نفذ الشهيدان إبراهيم النابلسي قائد شهداء الأقصى في نابلس وهو ابن عقيد في "الأمن الوقائي"، وحازم رعد منفذ عملية ديزنغوف في (تل أبيب) وهو ابن عميد في "الأمن الوطني"، عمليتين أثبتت حجم إخفاق سياستي السلطة والاحتلال معًا.

ما يتخوف منه الاحتلال هو تأييد والدي الشهيدين للأعمال المقاومة التي نفذها النابلسي ورعد، فأجاب والد النابلسي على أحد الصحفيين "سرنا في طريق التسوية سبعة وعشرين سنة، ماذا حققنا؟، لا شيء"، كلما تأتي حكومة إسرائيلية تظهر أنها يمينية متطرفة تسفك الدم الفلسطيني، إبراهيم من يوم مطاردته كان مُطَارِدًا ولم يكن مُطَارَدًا، أينما يسمع هناك جيش إسرائيلي يذهب للاشتباك معه، وهذا قدره، ورسالتي للجيل الصاعد، أن يحافظ على إرث الشهداء، التي أوصاهم بها".

ووالد رعد حازم تحول إلى بطل ظهر في خطب حماسية عديدة في جنين يحث الجماهير على الانخراط في المقاومة، وهذا نهج معاكس لسلوك أجهزة أمن السلطة الذي وضعه الجنرال الأمريكي "دايتون" بملاحقة المقاومة، لتتلقى هذه المنظومة صفعة أمنية قوية.

لكن لم يكن هذا الانخراط جديدًا، ففي نوفمبر/ تشرين ثاني 2016، تمكن الضابط في جهاز الشرطة بالضفة، محمد عبد الخالق تركمان (25 عامًا)، وهو من جنين بالضفة، من إصابة ثلاثة جنود إسرائيليين بعد أن فتح النار من سلاحه الرشاش عليهم، بالقرب من مستوطنة (بيت إيل)، قبل أن يستشهد على يد قوات الاحتلال.

وسبقه الرقيب الأول أمجد جاسر سكري (34 عامًا) من سكان نابلس، الذي تمكن في نهاية كانون الثاني/ يناير 2016، من إصابة ثلاثة جنود إسرائيليين بعد أن فتح النار عليهم عند حاجز إسرائيلي شمال رام الله، قبل أن يقتله جنود الاحتلال.

والعام الماضي، أعلنت قوات الاحتلال إطلاقها النار على الشاب الفلسطيني بلال عدنان رواجبة (29 عامًا) عند حاجز عسكري بالقرب من مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية، بحجة محاولته تنفيذ عملية فدائية.

عوامل مختلفة

لا يستغرب عضو المجلس الثوري لحركة فتح جمال حويل هذا الدور قائلًا: "هناك أسباب وعوامل مختلفة تحفز أبناء الأجهزة الأمنية (في الضفة) على مواجهة الاحتلال، كانسداد الأفق السياسي، وإحباط الشعب الفلسطيني في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، والانقسام، والتهويد، وبناء جدار الفصل العنصري".

يقول حويل وهو مقرب من الأسير مروان البرغوثي لصحيفة "فلسطين": مهما حاول الاحتلال ترويض أبناء أجهزة أمن السلطة وإعادة صهر وعيهم باتجاه مطالب الاحتلال الأمنية، فلن يحدث لأن إجراءات الاحتلال كانت أكبر من هذا، فهو يمعن بشكل يومي بقتل وتدمير أبناء الشعب الفلسطيني، في ظل عدم وجود أفق سياسي.

ولفت إلى أن اغتيال إبراهيم النابلسي ومشهد التشييع أكبر استفتاء على رفض الاحتلال، وكذلك عملية القدس مؤخرًا هي تنفيذ لوصية اختصرت كل المعاني بعدم ترك السلاح، واختصرت كل التكتيكات وأثبتت فشل عملية التسوية التي لم تقدم شيئًا للقضية الفلسطينية.

وعن إمكانية استجابة حركة فتح للأصوات الداخلية بفصل نهج الحركة عن السلطة، يقول حويل: "للأسف هي عملية معقدة، لأننا دخلنا في فخ السلطة وأصبحت حساباتنا بالمقاومة، ليس كتنظيمات وحركة تحرر"، مشددًا، أنه يجب إعادة الاعتبار للخطاب التحرري الفلسطيني، الذي يؤكد عليه "البرغوثي" الوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة بأنها الحل لمقاومة الاحتلال، كون الاحتلال يريد السلطة وأجهزتها الأمنية وكيلا أمنيًا يدافع عن وجود الاحتلال من أجل تثبيت المستوطنين بالضفة الغربية.

"حالة فردية"

لكن الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، يرى أن هناك خلطًا بين العقيدة الأمنية والقاعدة التي تستند لها والتي تقوم على الوفاء والالتزام بما نص عليه اتفاق "أوسلو" والتعاون الأمني الذي شكل القاعدة لعمل أجهزة أمن السلطة مع استثناءات قليلة كتلك التي رافقت اشتباكات ٢٠٠٢ واجتياح جيش الاحتلال لمدن الضفة وهذه كانت حالة وحيدة وقعت خلال الثلاثين عامًا الماضية.

وقال عساف لصحيفة "فلسطين": في مرحلة (رئيس السلطة محمود) عباس فلم يكن لهذه الحالة مكانًا بل طرد من أجهزة أمن السلطة كل من أطلق النار على الإسرائيليين من خلال التقاعد المبكر ودورات التدريب في الدول المجاورة تحت إشراف "دايتون".

واستشهد بتصريح لعباس قال فيه: "لا نريد أن نرمي الإسرائيليين بوردة" وجهارًا نهارًا يقول: "أنا ضد العنف والأجهزة الأمنية عملها أولًا وأخيرًا حماية أمن الإسرائيليين وبالتنسيق الكامل مع الأجهزة الامنية الأمريكية والإسرائيلية، وتكرار إدانته لعمليات المقاومة".

ويعتقد أن أي فرد من أفراد أجهزة أمن السلطة يصحو ضميره فيرتد عن العقيدة الأمنية وعن التعليمات التي يعمل على أساسها جهازه هو يقوم بذلك كحالة فردية ولا علاقة لذلك بانتماء والده أو وجوده في جهاز أمني، بل ربما نوع من رد الفعل ورفض ما يقوم به والده أو أخوه فيقوم بعمل مقاوم، أو يشاهد جرائم الاحتلال المروعة بحق أبناء شعبه فيصحو ضميره وينتقم من الاحتلال.

ووفق عساف، فإن تصويب التخريب الذي تعرض له هؤلاء الشباب ومحاولة غسل دماغهم وتشويه وعيهم يحتاج صحوة ضمير شعبية ردا على حرائق الاحتلال، وهذا الدور "لن يكون له صلة بقرار رسمي سياسي أو أمني بل قد يكون ضد الاحتلال وكل من يتعاون مع الاحتلال من مستوى سياسي وقادة أجهزة أمنية".