يَعْتَبِر مؤرخون "ثورة البراق" الفلسطينية التي انطلقت عام 1929، ضد الاحتلال البريطاني، أول ثورة شعبية كبرى ضد المشروع الصهيوني في فلسطين.
وكانت هذه الثورة محطة مهمة في تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي بخطورة "المخططات الصهيونية"، وبِدَور بريطانيا في تهويد فلسطين، وفي بناء الهوية الوطنية الفلسطينية.
كما تُعَد أول انتفاضة فلسطينية على محاولة تهويد القدس، إذ اندلعت اشتباكات واسعة النطاق بين العرب واليهود عند حائط البراق (الحائط الغربي للمسجد الأقصى) يوم 15 أغسطس/آب 1929، وبلغت الثورة ذروتها في 23 أغسطس/آب 1929، بسقوط عشرات من القتلى والجرحى.
واندلعت ثورة البراق عندما نظم اليهود مظاهرة ضخمة عند الحائط بمناسبة ما أسموه "ذكرى تدمير هيكل سليمان" المزعوم، مدّعين أنه مكان خاص باليهود وحدهم، أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة في شوارع القدس، حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يصيحون "الحائط لنا"، ويرددون "النشيد القومي الصهيوني" بالتزامن مع شتم المسلمين.
وفي اليوم الثالث الذي وافق ذكرى المولد النبوي الشريف، توافد المسلمون للدفاع عن حائط البراق، إذ كان ينوي اليهود الاستيلاء عليه، فوقعت صدامات عنيفة عمّت معظم فلسطين.
وشهدت الثورة مواجهات بين الفلسطينيين من جهة واليهود وقوات الاحتلال البريطاني من جهة أخرى في الخليل وصفد والقدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى، واستمرت أياما، أسفرت عن مقتل 133 يهوديا وجرح 339 آخرين، في حين استشهد 116 فلسطينيًّا وعربيًّا وجرح 232 آخرون.
وبعد أن تمكنت بريطانيا من السيطرة على الموقف بقسوة، قدمت للمحاكمة ما يزيد على ألف من العرب والفلسطينيين وحُكم على 27 منهم بالإعدام، منهم يهودي واحد كان شرطيًّا دخل على أسرة عربية في يافا مكونة من 7 أشخاص فقتلهم جميعًا.
وخففت سلطة الاحتلال البريطاني الأحكام إلى السجن المؤبد بحق 23 من الفلسطينيين، وأيّدت حكم الإعدام بحق 3 بعد اتهامهم بقتل يهود، وهم: فؤاد حسن حجازي، ومحمد خليل جمجوم، وعطا أحمد الزير، الذين نفذ فيهم الحكم يوم 17 يونيو/ حزيران 1930، في سجن مدينة عكا المعروف باسم (القلعة).
وتحول الحكم بإعدام الشبان الثلاثة في سجن عكا إلى جزء من ذاكرة الشعب الفلسطيني ونضاله، ويتم استحضارهم في كل حدث ومناسبة حتى اليوم، ولا يزال معظم الفلسطينيين يحفظون عن ظهر قلب قصيدة "من سجن عكا طلعت جنازة" التي كتبها الشاعر نوح إبراهيم.
واحتكمت بريطانيا إلى "عصبة الأمم" (الأمم المتحدة) بناء على توصية "لجنة شو" التي شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في الأحداث، التي وضعت تقريرًا عام 1930، قدمته إلى "عصبة الأمم" أيدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق.
وأقرت اللجنة أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي للمسجد الأقصى باعتباره جزءًا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، كما تعود للمسلمين ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط.
ومن رموز الثورة إلى جانب الشهداء الثلاثة، الحاج محمد أمين الحسيني الذي اتهمه اليهود بتدبير الثورة غير أن الحكومة البريطانيّة برّأته، والشيخ فرحان السعدي الذي كان له دور كبير في اندلاعها، حيث ألقي القبض عليه مرة أخرى وحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم بحقه في نوفمبر/ تشرين الثاني 1937.
وكان من آثار الثورة أنها شهدت ظهور العلم الفلسطيني حيث اقترحت صحيفة "فلسطين" بضرورة اتخاذ علم مُقترِحة علمين ومطالِبة أيضًا بنشيد وطني وهو ما فَتَح باب النقاش بعدها وأفضى لاحقًا لتصميم العلم الفلسطيني وإلى خطوات أخرى في الهوية الوطنية الفلسطينية.