بينما يعاني يوسف دوابشة وعائلته في قرية دوما أقصى جنوب شرق نابلس، شحًّا حادًّا في المياه اللازمة للاستخدام الآدمي، ينعم المستوطنون ومشاريعهم الزراعية في المستوطنات القريبة بكميات وفيرة منها تكفيهم أشهرًا وربما سنوات دون انقطاع، مستغلين نتائج ومخرجات اتفاق (أوسلو) 1993؛ في السيطرة على مزيد من الأراضي المحتلة ومواردها المائية والزراعية.
وتمتد أزمة شح المياه لتطال قرابة 3 آلاف مواطن في دوما، ومساحتها أكثر من 17 ألف دونم، ليس ذلك فحسب، بل إنها تركت تداعيات على جميع سكان قرى وبلدات جنوب شرق نابلس، وهي؛ دوما، مجدل بني فاضل، قصرة، قريوت، جالود، تلفيت، عقربا، اوصرين، عورتا، جوريش، قبلان، ومناطق أخرى مجاورة.
ويقيم دوابشة إضافة إلى 4 من أفراد عائلته بمنزل في دوما، وكانوا جميعًا يلبون حاجتهم للمياه من بئر يبعد عن القرية 25 كيلومترًا، مخصص لتغذية قرى شرق نابلس بجزء من حاجتها إلى المياه، لكن بلدية نابلس اقتطعت منه نصف الكمية لصالح المحافظة.
وتسبب ذلك في وصول المياه إلى دوما لمدة ساعتين مرة واحدة فقط كل أسبوع، وحال عدم تعبئة أهالي دوما حاجتهم يضطرون إلى شراء المياه مقابل 15-20 شيكلًا للكوب الواحد، وهي حقًا لا تكفي ليومين.
وبيَّن لصحيفة "فلسطين"، أن قرية دوما من أكثر المناطق التي تعاني شحَّ المياه بسبب وقوعها إلى أقصى جنوب شرق نابلس، وتنقطع أحيانًا لمدة أسبوعيْن متواصليْن.
وتمنع سلطات الاحتلال حفر آبار مياه تغذي القرى الفلسطينية وفي نفس الوقت تسرق مياهنا وتغذي بها المشاريع الاستيطانية القريبة بكميات وفيرة، بحسب دوابشة.
وذكر أن سلطات الاحتلال تمنع أيضًا استفادة المواطنين الفلسطينيين من أعين مائية في محميات طبيعية قريبة.
وأكد أن شح المياه الناتج عن سرقتها لصالح المستوطنات ترك تداعيات خطيرة على أحوال المواطنين في جنوب شرق نابلس.
ومن المقرر أن يحتفي دوابشة بزفافه بعد أسابيع قليلة، لكنه في الوقت نفسه يبدو قلقًا من أن تصبح حاجته أكبر للمياه عندما يزيد عدد أفراد العائلة.
ووفقًا لإحصائيات محلية، فإن عدد سكان قرى وبلدات جنوب شرق نابلس يصل إلى قرابة 70 ألف نسمة، يعيشون ظروف صعبة بفعل مشاريع الاحتلال الاستيطانية وانتهاكاته.
وأرجع الرئيس السابق لبلدية حوارة شرق نابلس وجيه حوارة، أسباب أزمة شح المياه إلى مفاوضات التسوية بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، وعدم اعتماد المفاوض الفلسطيني على خبراء مختصين، ولذلك وصلنا إلى هذه النتيجة التي تسرق فيها المياه أمام أعيننا لصالح المستوطنات دون أن نقدر على فعل شيء.
دون مقابل!
وأضاف حوارة لـ"فلسطين": لقد أصبحت الجبال المقامة عليها المستوطنات والمشاريع الزراعية للمستوطنين تزدهر بمختلف أنواع الأشجار بفعل سرقة المياه لصالح المستوطنين من دون مقابل، على حين أن المواطن الفلسطيني يدفع ثمنًا باهظًا للمياه ولا يحصل على الكمية الكافية منها.
وتابع: عندما كنت رئيسًا لبلدية حوارة 2000-2005 كنا نواجه معاناة حقيقية بسبب شح المياه، وكذلك قرى أخرى تعاني الأزمة نفسها أيضًا على حين يستغل المستوطنون المياه في جميع مجالات الحياة الصناعية والزراعية دون أي نقص.
وأشار إلى لجوء المواطنين إلى شراء المياه في بعض المناطق اضطرارًا، إذ يباع 3-4 أكواب بقرابة 100 شيقل ما يعادل 30 دولارًا، وهذه الأسعار فلكية ومعاناة مركبة يتحملها المواطن الفلسطيني ليس لمرة واحدة بل على مدار العام.
وشدَّد على ضرورة تصدير السلطة موقفًا قويًّا ضد سرقة الاحتلال للمياه الفلسطينية لصالح المستوطنين والمشاريع الاستيطانية، وممارسة الضغوط اللازمة عليه. مضيفًا: نحن بحاجة إلى موقف صلب من السلطة تجاه الانتهاكات الإسرائيلية، والكف عن قيامها بالتزاماتها دون مقابل من الاحتلال.
من جهته، قال الباحث مجدي حمايل، من قرية بيتا بنابلس، إن المفاوض الفلسطيني قبل خلال مفاوضات (أوسلو) أن يكون الاحتلال الإسرائيلي هو المسيطر على المياه الجوفية في فلسطين، ولقد أصبح الأخير يتحكم في كمية المياه التي سيخوضها للفلسطينيين.
وأضاف حمايل لـ"فلسطين": المواطنون في كل فلسطين يعانون نقص المياه وليس في قرى جنوب شرق نابلس.
وتابع: إن جرائم الاحتلال بحق شعبنا لا تتوقف على القتل والاعتقال وإطلاق النار ومعاقبة الفلسطينيين وإنما تصل إلى سرقة المياه والحيلولة دون وصولها بكميات كافية، عادًّا أن ذلك يمثل عقابًا للمواطنين الفلسطينيين وجريمة ضد الإنسانية.
وقال: على الجهات الدولية المختصة أن تقوم بدورها حتى يشرب المواطن الفلسطيني من مائه، منبهًا إلى أن سلطات الاحتلال تمنع المواطنين الفلسطينيين من حفر آبار ارتوازية للاستفادة منها.
وشدَّد على أهمية استمرار المقاومة الشعبية لانتزاع حقهم في حفر آبار والحصول على المياه كما حصل في قرية بيتا، والاستفادة من هذه التجربة في قرى وبلدات أخرى.
وأوصى حمايل السلطة بعدم رفع أسعار المياه للمستهلك الفلسطيني، وأن تسهم في تعزيز صمود المواطنين، والتخفيف عنهم، فمن غير المقبول أن يستمتع المستوطن بمياهنا كيفما أراد في وقت لا يتمتع المواطن الفلسطيني بجزء بسيط مما يستحقه.