لا يمكن لأي كلمات أن تصف حجم الجريمة التي فجعت بها عائلة نجم بعد استشهاد 4 من أطفالها، وآخر من عائلة أبو كرش، بصواريخ جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه العسكري، شمالي قطاع غزة.
مساء الأحد الماضي، كان أبناء العم الأربعة وصديقهم يوجدون في المقبرة المقابلة لبيتهم بمنطقة الفالوجا في مخيم جباليا، في وقت تعرضت فيه مناطق متفرقة لغارات جوية شنها طيران الاحتلال.
كان الأطفال يجلسون بجوار ضريح جدهم جميل الذي وافته المنيَّة منذ سنوات، قبل أن تداهمهم صواريخ الاحتلال على حين غرَّة لتحول أجسادهم الغضَّة إلى أشلاء ممزقة تكسوها الدماء.
وبالكاد استطاع أهالي الشهداء التعرف على أبنائهم بسبب شدة الجروح التي أصابت أجسادهم وغيرت معالمهم تمامًا.
وتعرض قطاع غزة لعدوان عسكري إسرائيلي على مدار 3 أيام، شنَّ خلاله جيش الاحتلال عددًا كبيرًا من الغارات الجوية واستهدف أبراجًا سكنية ومنازل مواطنين آمنين.
والأطفال الخمسة الذين استشهدوا في قصف مقبرة الفالوجا، كانوا من ضحايا العدوان الإسرائيلي؛ وهم جميل إيهاب نجم (13 عامًا)، جميل نجم نجم (4 أعوام)، محمد صلاح نجم (17 عامًا)، حامد حيدر نجم (16 عامًا) وصديقهم نظمي أبو كرش (14 عامًا).
وأكد شهود عيان لصحيفة "فلسطين" أن طائرة حربية بدون طيار استهدفت الأطفال بغارتيْن على الأقل.
ولم يكن أبناء العم الأربعة يعرفون أن ذهابهم إلى ضريح جدهم لقراءة الفاتحة على روحه في مقبرة الفالوجا، وكذلك جدتهم وعمهم أيضًا، ستكون نهايتهم وصديقهم الذي رافقهم.
فور وقوع الانفجار، هرع محمد أبو رضوان إلى مكان الاستهداف، حيث وجد الأطفال الأربعة وصديقهم في مشهد لا يمكن أن تنساه الذاكرة؛ أشلاء ممزقة ومتفحمة، ومعالم غير معروفة.
وأضاف أبو رضوان، أحد الشهود العيان على جريمة الاحتلال لـ "فلسطين": لم أرَ سوى دخان يتصاعد من المكان بعد قصف الأطفال، وكانوا في حالة يرثى لها.
ولم يكن أمامه إلا أن أخرج هاتفه ليوثق جريمة الاحتلال، ولحظة انتشال أشلاء الأطفال الخمسة، ولقد انتشر الفيديو الذي صوره أبو رضوان كالنار في الهشيم على مواقع التواصل، والمجموعات الإخبارية.
وتابع: "لا أعرف كيف يجرؤ جيش الاحتلال على استهداف الأطفال! وما السبب الذي يدفعه لذلك؟ فأنا أعرف هؤلاء الأطفال وأسرهم جيدًا، ولم يشكل أحد فيهم أي خطر على الاحتلال".
وأضاف: "من حق أطفالنا أن يعيشوا بأمان وسلام، وهذا أبسط حق لهم (..) أتمنى أن تصل هذه الرسالة إلى الشعوب العربية والمؤسسات الدولية المختصة بالدفاع عن حقوق الإنسان؛ ليطلعوا على حجم الجريمة المرتكبة بحق أطفالنا".
في جنازة الشهداء التي انطلقت، أمس، من المستشفى الإندونيسي إلى منازل عائلاتهم في الفالوجا، بدا الجميع في حالة صدمة غير معهودة، فالجماهير الغفيرة التي تجمعت لم تشيع طفلاً واحدًا، بل 5 دفعة واحدة.
وانطلقت جنازة الشهداء دون أن يفتح كفن أي واحد منهم، ولقد غطتهم الأكفان من رؤوسهم إلى أصابع أرجلهم نتيجة التشوهات والتمزقات التي سببتها غارات الاحتلال بأجسادهم الغضَّة.
كان جميع المشاركين يهتفون منددين بجريمة الاحتلال، وينادون بالانتقام ضد جيش الاحتلال وملاحقته قانونيًا على جريمته.
وهيمن الحزن على وسام نجم عم الأطفال الشهداء، وبدا غير قادر على الوقوف والكلام عند انطلاق الجنازة؛ لكنه قال لـ "فلسطين": لقد تحملنا الكثير في قطاع غزة، فكل عام يشن جيش الاحتلال حربًا جديدة، من يستطيع تحمل ذلك؟".
وتابع: بلمح البصر فقدت أربعة من أبناء أشقائي أصبحوا أشلاء ممزقة، ولكل واحد منهم قصة؛ إذ إن جميل نجم نجم وحيد والديه من الذكور وله أربع شقيقات، أما حامد حيدر نجم له شقيق واحد ولقد تركه وحيدًا ورحل دون رجعة.
ووقف المواطن نبيل دياب في مقبرة الفالوجا، ينادي بعالي صوته منددًا بالجريمة، وقال
لـ "فلسطين": قبل استهدافهم بدقائق كنت في المقبرة وطلبت منهم مغادرة المكان سريعًا، لكنهم لم يسمعوا كلامي، ولقد اعتادوا الجلوس في المقبرة منذ سنوات طويلة.
أما أمير العطاونة (16 عامًا)، صديق الأطفال الخمسة، بدا غير قادر على الوقوف وهو ينتظر وصول جثامين الشهداء أمام منازلهم.
وقال لـ "فلسطين": أنا لا أفارقهم على الإطلاق، دائمًا نلهو مع بعض، لكن لحظة قصفهم في المقبرة لم أكن معهم. شعرت بصدمة كبيرة عندما رأيتهم أشلاء، فلم أتوقع يومًا أن أراهم هكذا.
وأصعب ما مر به العطاونة، أنه في اليوم التالي لاستشهادهم، وجد ومواطنون آخرون، أجزاء من أشلائهم، فدفنوها تحت التراب.
عندما ووري الشهداء تحت الثرى، وُضعوا في أضرحة قريبة من جدهم الذي كانوا يجلسون بجوار ضريحه عند قصفهم من طائرات الاحتلال، ولقد وقف العطاونة يبكي بشدة أصدقاءه وإلى جانبه آباء الشهداء وأشقاؤهم.