فلسطين أون لاين

تقرير الشاب "السلك".. نعى نفسه قبل استشهاده

...
إثر استهداف مفترق السامر
غزة/ جمال غيث:

قبل أيام من استشهاده وعلى غير عادته توسط عبد الرحمن السلك (22 عامًا) أفراد أسرته وأخذ يخبرهم بأن أيامه في هذه الحياة قد انقضت ولم يتبق منها إلا القليل، قائلًا: "لا تنسوني من دعواتكم، ولا تبخلوا عليّ في زيارتكم وأنا في القبر"؛ والقول لشقيق الشهيد محمد.

كانت لكلمات "السلك" وقعًا كبيرًا على إخوته الذين حاولوا إسكاته، وإخباره أن الحياة والمستقبل لا يزالان أمامه، وأنهم سيحتفلون قريبا بعقد قرانه، لكنه كان يخبرهم دائما بدنو أجله.

وكانت المصادر الطبية قد أعلنت مساء أول من أمس ارتقاء 3 شهداء، بينهم "السلك" وشرطي مرور، وإصابة آخرين من المواطنين في إثر قصف إسرائيلي استهدف عربة يجرها حصان قرب مفترق السامر وسط مدينة غزة.

على الدرجات الموصلة لثلاجات الموتى بمجمع الشفاء الطبي جلس محمد والدموع تملأ وجهه على فراق شقيقه منتظرًا انطلاق موكب التشييع، وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.

وقال "السلك"، وهو أحد المصابين وكان برفقة شقيقة لحظة استشهاده: "إن عبد الرحمن كان طوال اليوم هادئا على غير عادته، وكان يتابع أخبار القصف الإسرائيلي على القطاع لحظة بلحظة ويشعر بالحزن عند سماع استشهاد أي مواطن".

وأضاف لصحيفة "فلسطين": "كان شقيقي يجلس بجانبي في محلنا لبيع الأحذية بمعسكر الشاطئ، فصلى الظهر ثم ذهب لأخذ قسط من الراحة، وقبل صلاة العصر استيقظ وأخذ يدعو الله بالرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى".

وتابع: "كنت أتابع شقيقي دون أن يشعر، فقد كان سلوكه غريبًا، ثم أشار عليّ بالعودة إلى منزلنا في حي الشجاعية عند الساعة السادسة مساءً، فوافقت، ثم ذهب لشراء بعضًا من التين والعنب لوالدتي".

ويكمل: "جلست أنا وأخي في المقعد الخلفي للسيارة، وكان طوال الطريق يتلفت وينظر إلى السماء ليشاهد الصواريخ التي تطلقها المقاومة وهو يدعو للمجاهدين بتسديد ضرباتهم، ويكثر من قول حسبي الله ونعم الوكيل".

توقف "السلك" الأب لطفلين عن الكلام والدموع تقاطعه، ثم أكمل: "ما إن وصلنا مفترق السامر حتى فوجئنا بسقوط صاروخ بين المركبة التي كنا نستقلها وعربة يجرها حصان، وما هي إلا لحظات حتى سمعت أخي والدم يملأ جسده وهو يردد الشهادتين، فالتفت إلى السائق فإذا به يحني رأسه إلى الأمام والدم يخرج منه".

ويردف والحزن ظاهر على وجهه: "حاولت بقوة فتح باب السيارة لأخرج أخي لكنني لم أفلح، فقد كان محكم الإغلاق بفعل اختراقه من شظايا القصف الإسرائيلي، وحاولت إخراجه وأنا أتحدث معه لكنه فارق الحياة نتيجة شظية استقرت في صدره".

وقتها بدأ شقيق الشهيد يشعر بثقل في جسده، ليكتشف أن الدم يخرج من رقبته ورجله اليسرى، بعدها حاول الجلوس على الأرض إلى أن حضر المسعفون ونقلوهما إلى المستشفى.

ويحاول وسيم السلك؛ الشقيق الأكبر للشهيد، حبس دموعه واستقبال المشاركين في جنازة تشييع شقيقه، مسترجعا بذاكرته سلوك "عبد الرحمن" حيث كان يخبرنا مع بدء العدوان أنه سيستشهد وأن أجله قد اقترب "فقدم جواله الجديد الذي لم يمضِ على شرائه سوى أسبوع لوالدتي هديةً لها، وحينما سألته عن السبب قال لها: لأنني سأستشهد، فبكت حينها وأبكتنا معها".

وأشار إلى أنه في صباح يوم استشهاده كان قد وزّع كل أمواله على إخوتي وطلب منهم مسامحته، مضيفًا: "كان عبد الرحمن غريب الأطوار حينها، ولا نعرف ماذا سيحدث وما يخفيه القدر لنا، وبعد استشهاده أدركنا جميعًا ما كان يفعله، والتصرفات التي ظهرت عليه منذ بداية العدوان، وكأنه يرى مقعده من الآخرة".