الاحتلال الإسرائيلي لا عهد له ولا أمان، ولغة الغدر راسخة في عقيدته منذ أن وطئت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، فقد ارتكبوا المجازر تلو المجازر، وهجروا آلاف المواطنين من بيوتهم ومدنهم وقراهم وأقاموا كيانهم على أشلاء ودماء الشعب الفلسطيني.
فأسلوب الغدر الذي ينتهجه الاحتلال ليس بجديد، فكل حروبهم التي خاضوها ضد العرب والفلسطينيين كانوا يعتمدون على نفس الأسلوب الغادر وإن كان في كل مرة بصورة أوقات مختلفة لتحقيق انتصار أو إنجاز عسكري مهما يكن حجمه، على دماء الشهداء والأطفال والنساء، ووفقا لوزارة الصحة وحتى كتابتي هذا المقال، فقد ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة لليوم الثالث على التوالي، إلى 31 شهيداً، بينهم 6 أطفال و4 سيدات، وإصابة نحو 265 بجروح مختلفة، في حين تواصل المقاومة ردها على جرائم الاحتلال من خلال عملية "وحدة الساحات" التي أعلنت عنها سرايا القدس، واستهدفت خلالها القدس المحتلة و"تل أبيب"، وبئر السبع، ومطار "بن غوريون"، وجميع المستوطنات في غلاف غزة.
هذا الأسلوب نفسه الذي استخدمه الاحتلال خلال عدوانه الجديد على غزة منذ عصر يوم السبت الفائت، فقد غدر بالوسطاء المصريين مثلما غدر بالجانب الفلسطيني المقاوم ممثلا بالجهاد الإسلامي باغتيال أحد قادته البارزين الشهيد تيسير الجعبري، في الوقت الذي أعلن بوقف الاستنفار الأمني في غلاف غزة داخل مستوطناته، وإعطاء الجانب المصري وقتا للوساطة والتدخل من أجل التهدئة، ولكن كما سبق أن قلت، الاحتلال يعتمد دائما وأبدا على أسلوب الغدر، لتحقيق أهداف عسكرية وأخرى أمنية، وقد أرسل رسالة للوسيط بهذا الأسلوب الغادر.
لا شك أن الاحتلال لا يستطيع الصمود في حرب مفتوحة أو في إطالة أمد الحرب، لحسابات مادية وأمنية وسياسية تصب في مستقبل قادته، لذا يعتمد اعتمادًا كليًا على الضربات الخاطفة والسريعة لتقليل حجم الأضرار والخسائر قدر الإمكان، ولتجنب الملاحقة القانونية والجنائية الدولية، لذا يحضرون الوسيط عند أي عمل عسكري يعتبره قادة الاحتلال عاملًا مهمًا لنجاح العملية العدوانية، التي يشنها على غزة، وذلك للرجوع إليه لإنهائها بالطريقة التي تريحه ويراها مناسبة له سياسيا، حتى لو تكبد خسائر مادية وبشرية.
لعل الجانب الفلسطيني يعي درس غدر ومكر الاحتلال، وأخذ الحيطة والحذر بقدر الإمكان، لأن الاحتلال جبان وهو يعرف جيدا بأنه لا يمكن تحقيق أهدافه إلا بالخدعة، وهذا الأسلوب كرره في حروبه التي شنها على غزة وقائمة الغدر طويلة على مدار السنوات الماضية، أقربها كانت عمليات غدر نفذها الاحتلال باغتيال ثلة من مجاهدي قادة القسام وسرايا القدس على رأسهم الشهيد أحمد الجعبري، والشهيد أبو العطا، وأخيرا الشهيد تيسير الجعبري والشهيد خالد منصور، وقد دمر آلاف البيوت والأبراج السكنية ولم يرحم صغيرا ولا كبيرا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكنا ولا يبادر بوقف المجازر الصهيونية ضد غزة ولا يرفع الحصار عن مليوني إنسان يعيشون في ظروف إنسانية صعبة للغاية لأكثر من خمسة عشر عاما. كما يجب عدم الصمت على المجازر ضد غزة ووقف سياسة الكيل بمكيالين، فكما يفعل المجتمع الدولي حيال قضية أوكرانيا، يجب أن يتعامل مع القضية الفلسطينية بنفس المستوى، بالعمل الجاد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ومحاسبة قادته على جرائمه في الجنائية الدولية وأن لا يفلتوا من العقاب.