مع بدء عدوان جديد على قطاع غزة يتسلل الخوف والرعب إلى قلوب الأطفال دون استئذان، ليشتد كرههم لساعات الليل خلال الحرب على غزة، وليعيشوا في صدمات بسبب العدوان، ما يلقي بظلاله على الجانب النفسي للأطفال مسببًا لهم رهاب الليل.
والدة الطفلين وسيم وبسمة حاولت تهدئتهما بعدما هُرعوا إليها عند سماعهما لأصوات صواريخ القصف الإسرائيلي العنيف، مستفسرَيْن عن مصدر الصوت، فلم ينسيا حتى هذا اليوم ما حدث في العدوان الذي طال غزة في مايو/ أيار 2021.
تقول والدتها: "منذ اللحظة التي عرفا فيها أن الأصوات التي تدب الرعب في قلوبهم بسبب قصف إسرائيلي رفضا النوم في البيت وألحا عليّ للنزول إلى بيت جدتهما، كما أنهما يرفضان اللعب أو ممارسة أي نشاط، فيلتزمان الجلوس بجانبي".
أما الطفل حسام (10 أعوام) فيجلس في إحدى زوايا الغرفة منطويًا على نفسه، ويغلق بيديه أذنيه لمنع سماع أصوات القصف، وكذلك شقيقته فاطمة التي ترفض الذهاب إلى الحمام دون مرافقة والدتها لها، ولا تنام في الليل إلا بجوارها.
أعراض الصدمة
وفي هذا الإطار يقول استشاري الصحة النفسية د. إبراهيم التوم، إن الأطفال زهور صغيرة تترعرع بالحب وتذبل بالألم والخوف، لذا كانوا دائما هم أول الضحايا للحروب في أي زمان أو مكان، لأنهم يتأثرون بشدة بعد أي عدوان، ما يؤثر مباشرة في نفسياتهم، ويدمر شعورهم بالطمأنينة والأمن والحياة المستقرة.
ويشير إلى أنه في مثل تلك الأحداث لا بد من التعامل معهم بمهارة خاصة من الأهل، لأنهم أكثر الفئات العمرية تأثرًا في حال مشاهدتهم أو تعرضهم لمواقف صادمة خارج نطاق قدرتهم على الاستيعاب والتحمل، ما يسبب لهم حالة من الذهول والخوف.
ومن الأعراض التي تظهر على الأطفال فقدان قدرتهم على الكلام، وشعورهم بالخوف والرعب، ما يؤدي إلى ظهور أعراض عديدة منها فقدانهم للشهية، والتبول اللاإرادي، والخوف من الظلام والقلق والعزلة والكوابيس والأحلام المزعجة، فهم بحاجة دائمًا للاهتمام والرعاية والمساندة والدعم .
وينصح د. التوم بضرورة تأمين الأطفال في مثل تلك الأحداث لأكثر الأماكن أمنًا داخل البيت، وتجنب الاستهزاء بخوف الطفل أو الضحك عليه، فمن الطبيعي الشعور بالخوف عند الكبار والصغار ولا سيما في السنوات الأولى من عمر الطفل وخاصة في ظل الأحداث الراهنة من قصف وخوف ودمار.
ويقول: "والعمل على احتضان الأطفال في أثناء القصف وخاصة الذين يعانون الخوف الشديد، والاستماع إلى الطفل جيدًا، وتركه يتحدث بكل بساطة عما شاهده وأي خوف ينتابه، مع أهمية متابعة تصرفاته وأسئلته التي يطرحها، فالكلمات التي يستخدمها والأفعال التي يقوم بها جميعها تدل على ما يفكر ويشعر به الطفل، كذلك المعلومات التي يرغب في الحصول عليها حسب قدراتهم المعرفية".
ويوضح د. التوم ضرورة تجنب تعريض الأطفال للضغط النفسي من خلال توضيح ما يجري من حولهم، وبنفس الوقت طمأنتهم بأن الله هو الحامي، "وأن نجعل أحاديثنا إيجابية لبث الروح المعنوية في نفوس أطفالنا وتعزيز قيمة الصمود، ويجب على الأهل التحكم في مشاعرهم في أثناء حالات القصف وعدم إظهار خوفهم أمام الأطفال لأنها ستنعكس سلبيًا عليهم ما يؤدي إلى شعورهم بالخوف والرعب".
والحرص على عدم رؤية الأطفال للمشاهد المخيفة كالإصابات وجثث الشهداء وهدم البيوت حتى لا ينعكس سلبًا على نفسيتهم فيصابوا بأحلام وكوابيس مزعجة، إلى جانب عدم الحديث أمام الأطفال عن أعداد الشهداء وقصف المنازل تجنبًا لتعرضهم لحالة الخوف والارتباك.
الإشغال البدني والذهني
ويبين د. التوم أهمية إشغال وقت الأطفال بأنشطة جماعية كالصلاة واللعب والحوار والرسم، والحديث مع الأطفال عن قصص مشوقة ومسلية، والتكبير في أثناء القصف بصوت عالٍ لأنه يساعد في تفريغ شحنات الخوف المختزنة عند الطفل، وغرس القيم الدينية والوطنية وتكثيف الدعاء.
ويضيف: "ولا بد من تعليم الأطفال الخروج الآمن من البيت في حالة التعرض للقصف في محيط المنزل، وتفعيل وسائل التواصل الاجتماعي في الاطمئنان على الأهل والأصدقاء ومساندتهم وتقديم الدعم المعنوي والمادي".
كما أشار إلى أهمية الإرشاد والوعظ الديني من خلال الأهل، وترسيخ قيم دينية كالإيمان بالقضاء والقدر واحتساب الأجر من الله والقيام بالذكر والدعاء وتلاوة القرآن، وضرورة الاستمرار في الحفاظ على الروتين والأنشطة اليومية قدر الإمكان، وممارسة تمارين الاسترخاء والتنفس العميق وبعض الأنشطة الرياضية".
نصائح للصحة النفسية
وقد نشرت الصفحة الخاصة لبرنامج غزة للصحة النفسية على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعض الإرشادات العامة في التعامل مع الأطفال في أثناء الأزمة.
ونصح البرنامج بألا يفترض الوالدان أنه ليس لدى الأطفال أي معرفة بالأشياء التي تحدث؛ لأنه من المؤكد أنهم يعرفون أكثر مما قد يعتقد الوالدان، ويجب عليهما أن يشاركا الأطفال مشاعرهما.
وينبه لضرورة استخدام وسائل اتصال مختلفة لتسهيل عملية تعبير الأطفال عن مشاعرهم، وترك المجال لهم حتى يعبروا بحرية عما يجيش بداخلهم من مشاعر وأحاسيس، والعمل على مساعدتهم للشعور بالأمن والاطمئنان، لذا فمن المهم للوالدين أن يجعلا الأطفال يشعرون بأنهم بمنأى عن موقع الخطر.
ويشير برنامج غزة إلى وجوب تهيئة المكان ليلاً حين ينقطع التيار الكهربائي، مع ضرورة توفير إضاءة خافتة للطفل ليلًا، ما يساعده على رؤية من حوله، وإشعاره بالأمان، ومحاولة ضبط النفس تجاه تصرفات الأطفال في الأزمات، فكثرة الحركة وعدم الاستقرار من أكثر الأعراض التي تتضح عليهم نتيجة الخوف والقلق.
محاذير
ومن المحاذير التي يجب عدم الإقدام عليها التخفيف عن الطفل ومشاعره باستعمال عبارات مثل "انسَ الأمر لقد انتهى كل شيء الآن" وعوضًا عن ذلك يمكن للوالدين أن يقولا للطفل: "نفهم بأنك قلق ونرغب في مساعدتك"، قول أي شيء قد يكون غير حقيقي أو غير واقعي مثل "إن ذلك سوف ينتهي قريبًا"، إثارة آمال ووعود غير حقيقية أو توقعات يصعب تحقيقها، والحدة والمقاطعة أو الاستهزاء والسخرية في أثناء النقاش مع الأطفال، وترك الشعور بالإحباط والغضب ينعكس بشكل مباشر على تعامل الوالدين مع أطفالهما.