فرضت المقاومة الفلسطينية معادلة ردع قاسية على الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأخيرة بعد أن هددت بالرد على ما يجري من عدوان في الضفة الغربية وتحديدا اعتقال القيادي البارز الشيخ بسام السعدي، الأمر الذي دفع الاحتلال لإعلان حالة الطوارئ، واستنفار قواته في محيط قطاع غزة، وتعزيز كافة المواقع، وإخلاء مناطق واسعة، فضلا عن تعطيل كل الأعمال والأنشطة وفرض إغلاق شامل وقيود صارمة على حركة الجنود والمستوطنين خشية من رد محتمل من المقاومة وهذا بدوره فتح الباب على مصراعيه لتطور الأحداث واتجاهها للتصعيد.
لذلك هرع الوسطاء لإجراء العديد من الاتصالات بحركتي الجهاد الإسلامي وحماس لاحتواء الموقف وتفادي الدخول في موجة من التصعيد إلا أن موقف المقاومة كان ثابتًا بأن عدوان الاحتلال يجب أن يتوقف وعلى الاحتلال أن يلتزم بشروط المقاومة التي قدمت للوسطاء إلا أن الاحتلال الإسرائيلي رفض الاستجابة لأي مطالب وحاول كسب مزيد من الوقت دون تقديم شيء في محاولة لشراء مزيد من الوقت ظنا منه بأن مرور الوقت يمكن أن يكون كفيل بإنهاء الحدث واحتواء الرد.
لكنه في ذات الوقت استمر في تحشيد القوات وتعزيز المناطق في محيط القطاع ورفع مستوى استعداده بعد وصول تحذيرات ساخنة تفيد بأن المقاومة تستعد لهجوم على الأهداف الإسرائيلية وأخذ يلوح بأن أي هجوم سيقابل برد قاسٍ على القطاع في محاولة لردع المقاومة وإرباكها ومنعها من أي مبادرة يمكن أن تؤدي لخسائر في صفوف جنود العدو ومستوطنيه إلا أنه فشل في هذه النظرية وعجز عن تحقيق هذا الهدف بعد أن لمس بأن المقاومة متأهبة وتتهيأ لتوجيه ضربة مؤلمة للعدو الإسرائيلي.
وفي ضوء هذه المعطيات تحرك جيش الاحتلال بضوء أخضر من المستوى السياسي وبدأ بشن هجمات استباقية على قطاع غزة استهدفت أهدافًا مختلفة للمقاومة وأعلن عن عملية عسكرية عدوانية حملت اسم (بزوغ الفجر) في محاولة لتحقيق صورة النصر وإثبات أن يده هي العليا وأنه قادر على ردع المقاومة ومنعها من شن هجمات جديدة ضد الأهداف الإسرائيلية وافشال أي معادلة جديدة تريد المقاومة فرضها وانهاء حالة الارتباك التي يعيشها طوال الأيام الماضية الا أنه وبذلك اتخذ قرارا متهورا لن يستطيع من خلاله تحقيق أي من أهدافه لأن المقاومة وخلال معركة سيف القدس حققت أعلى درجة ردع في وجه العدو وحطمت أسطورته العسكرية وداست أهدافه السياسية والأمنية وادخلت كيانه في الملاجئ وعرضت جبهته لضربات غير مسبوقة الأمر الذي دفعه لاستجداء الهدوء تحت نيران المقاومة.
هو اليوم يتورط في عملية عدوانية جديدة ويعتقد أنه يمكن أن يستعيد شيء من الردع المفقود ويسعى لتغيير الواقع بعد الانتكاسات التي لحقت به في معركة سيف القدس والتي بادرت خلالها المقاومة بمفاجأة العدو وقصف أهدافًا استراتيجية في مقدمتها القدس وأذلت هذا الكيان على مرأى ومسمع من العالم وقد انهارت كل منظومات الدفاع أمام ضربات المقاومة في الساعات الأولى للمعركة وبالتالي فإنه لا يمكنه حسم هذه المعركة حتى وإن كان مبادرا بضربة استباقية لأنه لا يدري ما الذي ينتظره ولا يستطيع حتى تقييد طبيعة الرد الذي يمكن أن ينطلق في الساعات المقبلة ردا على العدوان.
وختاما فإن الاحتلال الإسرائيلي سيخرج من هذه المعركة يجر أذيال الخيبة والعار وسينتكس سياسيًّا وعسكريا وأمنيا ولن يستطيع تغيير الواقع وما أرادته المقاومة ستفرضه بالنيران والساعات القادمة ستثبت لمستوطني العدو بأن هذه القيادة تجلب لهم الويلات وتقدم لهم على الدوام الكثير من الأكاذيب وغير قادرة على تحقيق أهدافها السياسية ولا يمكنه تحقيق أي نصر في مواجهة المقاومة، وربما تكون تداعيات هذه المعركة واثارها تمتد حتى بعد انتهاء المعركة وذلك نتاج ما ستفرضه المقاومة من معادلات قاسية على الاحتلال والذي سيجد نفسه مضطرًا للرضوخ والاستسلام لأن شعبنا الفلسطيني يمكن القتال والتضحية لأبعد مدى من أجل قضيته العادلة والمقدسة.