جهودٌ بحثية ذات طابع شبابي حملت على عاتقها مواجهة "الخطر الداهم" المتمثل في التطبيع مع (إسرائيل) والذي يهدِّد قضية فلسطين والأمتيْن العربية والإسلامية، شاركت ضمن مسابقة بحثية دولية تحمل عنوان "لا.. للتطبيع"، جمعت الأبحاث الفائزة فيها ضمن كتابٍ عنون باسم "دراسات في التطبيع مع الكيان الصهيوني".
ويأمل القائمون على الكتاب في أنْ يكون مرجعًا مهمًّا للباحثين عن دراسات أكاديمية في كيفية التصدي للتطبيع مع الاحتلال، والبناء عليها.
خطيئة التطبيع
فالمسابقة التي أقيمت بالشراكة بين مركز المبادرة الإستراتيجية فلسطين–ماليزيا والهيئة العامة للشباب والثقافة وأكاديمية المسيري للأبحاث والدراسات ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات شارك فيها اثنان وثمانون باحثًا.
واختارت لجنة التحكيم ثلاثة عشر بحثًا منها، اعتبرتها الأكثر دقة وتحكيمًا، وضمنتها ضمن الكتاب لتكون "مرجعًا للمتصدين لخطيئة التطبيع غرقت بها العديد من الدول العربية، ويقدم أدوات ورؤى لمواجهته".
وعقدت المؤسسات الشريكة حفلًا لإشهار كتاب "دراسات في التطبيع الصهيوني أمس في مقر مؤسسة أحباء ماليزيا بمدينة غزة بحضور لفيف من المثقفين والأكاديميين والباحثين المشاركين في المسابقة.
والكتاب ليس مجلدًا عاديًّا في نظر رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات د. محسن صالح، "كونه احتوى على ثلاثة عشر بحثًا تُعد الأدق والأشمل والأقوى علميًّا ضمن الأبحاث المقدَّمة للمسابقة والمتعلقة بدارسات التطبيع، وهي تشكل قفزة نوعية في هذا الإطار".
وأثنى صالح على الشراكة الإستراتيجية بين المؤسسات المشرفة على المسابقة وإصدار الكتاب والجهد، بدءًا من الهيئة العامة للشباب والثقافة التي بذلت جهدًا كبيرًا واستثنائيًا في استقبال الأبحاث وتحكيمها علميًا، برعاية ودعم وتمويل من "المبادرة الاستراتيجية" لإصدار الكتاب.
وعدّ هذه الشراكة المثمرة تكاملًا للدور بين المؤسسات داخل وخارج فلسطين في خدمة قضيتها ونشر الوعي والعمل الأكاديمي الجاد، وتشجيع الباحثين الشباب على خوض غمار الدراسات الأكاديمية في مواجهة هجمة التطبيع غير المسبوقة التي تسعى لاختراق جسد الأمة كالسرطان المدمر، وتحاول عزل فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي وتصفية قضيتها.
الاستفراد بشعبنا
ويضيف صالح: "التطبيع حال نجاحه سيمكن الاحتلال من الاستفراد بشعبنا وتحويل (إسرائيل) من كيان غاصب لدولة طبيعية في المنطقة، تحول دون وحدة الأمة ونهضتها الحضارية، لذلك فإن التصدي له عبر الجانب الأكاديمي خطوة مهمة في معركة الوعي، خاصة أن الباحثين ليسوا فلسطينيين فقط بل عربًا أيضًا".
ولفت إلى أن التواجد العربي في المسابقة عبّر عن وحدة الأمة كجسد واحد في مواجهة التطبيع، كما أن انطلاق المسابقة من غزة التي هي شعلة المقاومة وقلعة مشروع التحرير لتكون نقطة مضيئة، هو عمل ضمن خط أساسي آخر في معركة التحرير، لتكون غزة مركز إشعاع للوعي والثقافة والتعليم في تكامل واضح مع دورها في مشروع التحرير بأشكاله المختلفة.
ويضم الكتاب 13 بحثًا أكاديميًا تم تحريرها وضبط النصوص في أفضل شكل ممكن وفق المعايير العالمية، وتم ترتيبها بشكل موضوعي ومتسق مع بعضه البعض، في جوانب شرعية وتربوية وثقافية وسياسية واقتصادية وحضارية وعسكرية وأمنية بشكل متكامل، وفق صالح.
وسيكون الكتاب متاحًا للتحميل المجاني على موقع المؤسسة، ومتاحًا للباحثين والدارسين ولتنتشر تلك الدراسات في أكبر نطاق لدى شعوبنا العربية والإسلامية، آملًا بأنْ تستمر الجهود لإنتاج أعمال بحثية عالية الجودة تخدم أمتنا وقضيتنا، كما بيّن القائمون على مركز المبادرة الإستراتيجية.
انتماء للقضية
رئيس حملة المقاطعة ومناهضة التطبيع د.باسم نعيم رأى أن المشاركة الواسعة في الإشراف على المسابقة تبين وحدة الجهود داخل وخارج فلسطين لمواجهة "سرطان التطبيع"، وتعني أنه رغم الإمكانيات البسيطة للفلسطينيين والعرب فإن هناك انتماء قويًّا للقضية الفلسطينية يمكننا من مواجهة تيار عالمي متمكن يدعم هذا التطبيع.
ورغم أن الدول الراعية للتطبيع تملك قدرات هائلة وعظيمة، إلا أن السعي لتشكيل تيار سياسي موازٍ من تيارات وقوى وأحزاب في الأمة يمكن أن يواجهه، "فالتميز في هذا العمل أنه يصب في الجهد الإستراتيجي لمقاطعة هذا الكيان وعزله"، وفق نعيم.
وتابع: "فالقائمون على التطبيع يحاولون اختراق وعي الأمة لذلك فهنا تأتي أهمية هذه الإنتاجات التي تحاول تحصين وعي أجيالنا ليفهموا مخاطر التطبيع على فلسطين والعرب والمسلمين".
وأضاف: "نحن ليس بحاجة فقط للأعمال الكتابية بل أيضًا للأشعار والأعمال التلفزيونية وحتى الأعمال الكرتونية الموجهة للأطفال التي توعي بخطورة التطبيع".
البحث عن شرعية الاندماج
فيما بينت مديرة أكاديمية المسيري للدراسات والتدريب المهندسة إسلام العالول أن الشغل الشاغل لـ(إٍسرائيل) هو البحث عن الشرعية والاندماج في المنطقة العربية والإسلامية، ورغم كل المحاولات الحثيثة لتثبيت التطبيع مع العرب لكن بقيت تلك الاتفاقيات على المستوى الرسمي ولم تثبت أقدامها على المستوى الشعبي.
ورأت أن الأكاديميين والباحثين دائمًا يسألون أنفسهم كيف يمكن لهم مواجهة هذا التطبيع؟، "لعل أهم ما يمكننا القيام به التوعية بخطورة التطبيع على العرب جميعًا وليس فقط على الفلسطينيين"، تجيب العالول.
ولفتت إلى أن الأكاديمية أطلقت ضمن هذه الجهود دبلومة "المقاطعة والتطبيع بين السياسة والقانون" خرجت طلابًا من 27 دولة مختلفة حول العالم، أضحى لهم بصمات واضحة ضمن فرق شبابية لمناهضة التطبيع في دولهم.
جهد أكاديمي
بدوره، بيّن مدير البرامج في الهيئة العامة للشباب والثقافة بغزة فواز السوسي، أنه في ظل التكالب على أمتنا للضغط عليها للقبول بالتطبيع، جاء هذا الجهد الأكاديمي للخروج بمنتج يفيد الأمتيْن العربية والإسلامية، لمواجهة مخطط أعداء الأمة في المجال الثقافي.
وتابع: "شمل هذا الكتاب طرقًا لمواجهة التطبيع في كل المجالات الممكنة، الأمر الذي يأتي ضمن إستراتيجية الهيئة لمواجهة الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية".