يعاني عزيز الطوري من سكان قرية العراقيب الفلسطينية حر الصيف ويقاسي في الشتاء البرد القارس في بيته المبني من الخشب والصفيح ويتعرض للهدم باستمرار من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في صحراء النقب المحتل.
وفي كل مرة يقرر فيها بناء جدران قوية مسقوفة بالباطون لإيواء زوجته وأبنائه الستة، يتذكر أنه في أي لحظة قد تأتي قوات الاحتلال وتهدمه مجددًا، فيقرر التراجع.
وهدم الاحتلال أمس، القرية الواقعة إلى الشمال من مدينة بئر السبع، جنوبي الأراضي المحتلة سنة 1948، للمرة الـ116.
وتطالب سلطات الاحتلال سكان القرية بدفع غرامة مالية باهظة؛ أجرة الآليات التي هدمت القرية وقوات الاحتلال التي شاركت في الهدم، وفق تقارير إخبارية.
ويقول الطوري: "تخيل أن يهدم بيتك في هذا الحر.. وفي الشتاء لا يرحم الاحتلال كبيرًا أو صغيرًا ويهدمها لإجبارنا على إجلاء المكان، ومن ثم مصادرة الأرض".
وبعد كل عملية هدم للعراقيب، تقوم العائلات المقيمة في القرية وعددها 22، ببنائها من جديد، بعد أن تحولت لرمز معركة يخوضها هؤلاء بمساعدة فلسطينيي الداخل المحتل من أجل البقاء ورفض مشاريع التشريد والتهويد الإسرائيلية.
ويبدو أهالي القرية متمسكين رغم انتهاكات الاحتلال التي حالت دون توفر مقومات الحياة الرئيسية هناك "ولذلك أصبحت الأوضاع مأساوية جدًا في القرية"، كما يقول الطوري لـ"فلسطين".
ويريد الطوري أن يعيش حياة كريمة في قرية العراقيب بعيدًا عن تنغيص الاحتلال على الأهالي الذين يزيد يقارب عددهم 120.
وبحسب سكان القرية، فقد أنشئت العراقيب قبل مئات السنين، ولديهم شهادات ملكية للأرض _وثائق "طابو"_ صدرت خلال فترة الحكم العثماني، ويستدلون على ذلك بأن مقبرة القرية يعود وجودها إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي.
ويقول الطوري: "لا يمكن للإنسان أن يترك مسقط رأسه بسهولة؛ تلك البقعة التي ولدت وترعرعت فيها وأحببتها".
وبدعوى أن العراقيب غير معترف بها، كررت قوات الاحتلال هدم القرية التي تبلغ مساحتها 1050 دونمًا، دون مبالاة للأوضاع الإنسانية المترتبة على ذلك.
"الاحتلال لا يعير اهتمامًا لا للنساء ولا الرجال ولا حتى الأطفال" أضاف الطوري.
لكن رغم ذلك، يتفق أهالي قرية العراقيب على أنهم "ولدوا وسيموتون فيها"، كما يقول الطوري (40 عامًا)، وهو عضو لجنة محلية للدفاع عن قرية العراقيب.
ويضيف "أثق أن هذه الأرض ملكٌ خاص لنا. ولدت عليها وقضيت طفولتي وشبابي فيها، وتزوجت وأنجبت أطفالي أيضًا هنا".
ولا يهنأ أطفال القرية بحياتهم كما أرادوها، وحرم الاحتلال قريتهم من الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والماء والكهرباء والاتصالات، باعتبارها "قرية غير قانونية".
وقال الطوري: إن أقرب مدرسة التحقوا بها أطفال قرية العراقيب، تبعد حوالي 8 كيلومترات.
ويرى أن "الاحتلال الذي يدعي الديمقراطية يبعد كل البعد عنها، ولا علاقة له بها. فأين هذه الديمقراطية لكل من يطالب بحقه؟، وأين هي من عرب الداخل؟".
يشار إلى أن جرافات الاحتلال هدمت العراقيب _التي يعتمد سكانها على رعي الماشية والزراعة_ أول مرة بشكل كامل، وشردت أهلها في 27 يوليو/ تموز 2010 بحجة "البناء دون ترخيص"، وحين أعاد سكانها بناءها هدمها الاحتلال مرة أخرى.
ولا تعترف سلطات الاحتلال بنحو 45 قرية عربية في النقب المحتل، وتعمل على هدمها لتجميع سكانها في ثمانية تجمعات أقامتها لهذا الغرض، بناء على قرار اتخذته محاكم الاحتلال عام 1948 بأنه "لا ملكية للبدو في أرضهم"، رغم أن إجمالي سكان هذه القرى نحو 90 ألف نسمة، ومعظمها قائم قبل إعلان قيام دولة الاحتلال.