لم تغفُ عينا أمل، ابنة الشهيد أسامة وحفيدة القائد في حركة حماس خليل الحية، ليلة إعلان نتائج التوجيهي، إذ أسدل القلق غشاوته على عينيها، تترقب بلهفةٍ نتيجتها، في لحظةٍ امتلأ البيت بالأقارب والأحباب، الكل انتظر لحظة وصول العلامة التي لم تتأخر بعد التاسعة صباحًا، فحصلت على معدل 81.3%.
ومثّلت النتيجة للفتاة أمل التي فقدت والديها، وثلاثة من أشقائها، وبقيت وحيدة هي وشقيقها عبد الرحمن، يواجهان الحياة بلا أب وأم، لحظة انتصار على الألم والفقد الذي لم يكسرها، وعلى الاحتلال الذي يحاول بقتل الآباء والأمهات ثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة طريق بحثه عن الحرية، فكان لأمل كلمتها.
وقالت أمل لصحيفة "فلسطين": "فرحتي لا توصف، ففرحة النجاح والتفوق تمثل لأي فتاة تريد النجاح حياة أخرى بالانتقال للمرحلة الجامعية، يكون لديك حماس حصد تعب السنة وجدك واجتهادك، الحمد لله أهدي النجاح لأبي أسامة الحية، ووالدتي هالة أبو هين، ولجدي وجدتي اللذين كانا بمنزلة أب وأم لي".
لم يكن النجاح سهلًا، فلم تكن مجرد علامات، بل هي معركةُ حياة اجتازتها أمل، فلم تتوقف دورة الحياة عند رحيل أمها وأبيها وأشقائها الثلاثة، رممت جراحها، ودبّت في قلبها عجلة الحياة، رغم قسوة ما مرّت به، كانت تضع هذا نصب عينيها، تجمّعت العائلة حولها، وأعلنت فرحة التفوق والنجاح، رسمت على وجهها ابتسامة نصرٍ، لم تفارقها خلال يوم إعلان النتائج.
ما إن خرجت من مأساتها، حتى تجدد جرحها وفتح الاحتلال معها حسابًا جديدًا، وكانت مع محطة أخرى من الفقد العام الماضي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2021 وكان صعبًا رغم أنه لم يكن في الأرواح: "كان أصعب شيء هو فقد الذكريات التي تركها والداي لنا، وهو بيتنا، صعب أن تذهب الذكريات بلمح البصر ويُدمّر منزلك، ثم يفصلك شهر عن بدء مرحلة الثانوية العام، فتحتاج إلى أن تكون إرادتك وعزيمتك قوية".
ترعرعت أمل في بيتٍ، الجد فيه دكتور، والأب سار على طريق والده، وكان طالب دراساتٍ عليا، تتوقف هنا: "كان أبي حريصًا على أن نكون من الأوائل، أذكر موقفًا وكنت فيه بالصف الرابع الابتدائي قبل استشهاده بمدة قصيرة، وحينها كنت أقل إخوتي معدلًا وحصلت على 94%، وكنت أبكي لكنه جاء وطيّب خاطري وقال لي: حتى لو لم تكوني من الأوائل فأنتِ متفوقة".
خليل الحية، القيادي في حركة حماس، والد وجدّ الشهداء، الجميع يراه يتحدث في السياسة على شاشات الأخبار، لكن خلف هذه الشخصية هناك قلب أب صابر رغم قسوة الجرح، كانت دمعته قريبة إلى عينيه وهو يحتضن حفيدته لحظة إعلان النتيجة.
تكشفُ أمل بعضًا من شخصية "جدها الحنون" تؤكد أنهم دعاة إنسانية، وباحثون عن الحياة: "جدّتي كانت مثل صديقة لي بحكم انشغال جدّي، لكن عندما يكون جدّي معي ولو مدة قصيرة يحاول تعويضي عن كل شيء، وعندما يدخل البيت ينادي علي: "وين أمل، طمنيني، يا سيدي كيف دراستك؟".
في إحدى المرات مرّت أمل بظروف صعبة، أحكم اليأس أقفاله عليها، وأوشكت على الاستسلام قبل أن تتلقّى اتصالًا مفاجئًا، بالتأكيد عرفتم من المتصل: "اتصل بي جدي، يسأل خصوصًا، كيف أدرس وأستعد للامتحانات، وصدقًا هذا الاتصال، والكلمات التي قالها، شحنت همتي وعزيمتي، فوضعتُ اليأس خلف ظهري وعاودت الجدّ والاجتهاد ليس مجرد جد بل أب ثانٍ لي دائمًا يعوضني عن كل شيء وهذا أجمل شيء في الحياة أن يهبك الله جدًّا طيبًا حنونًا لا تشغله الحياة عنك، بل تكون أنت أقرب الناس إليه".
كثيرًا ما تحاول أمل الهرب من واقع الفقد، أو تناسيه شيئًا ما، ألا تسرح في الألم كثيرًا حتى لا تغرق في قساوته فلا تستطيع الإبحار به، فكانت الدراسة والنجاح هي مجاديف إنقاذ إضافة لدور الجدَّين، وإحدى الوسائل التي تحاول إشغال نفسها بها، وها هي تُسجّل انتصارًا جديدًا على الاحتلال وستدرس تخصصًا يمكنها من نشر قضية فلسطين، وأن تأخذ حقّ أهلها، لتُبيّن للاحتلال "أنه مهما سرق طفولتنا سنبقى أقوى بصمودنا".
تترك لأبناء الشهداء كلمات تخرج من القلب، ومن تجربتها المريرة فأنصتوا لصوت أمل: "أقول لهم إنه مهما حاول وسرق الاحتلال أهم شيء في حياتنا، أن يبقوا على درب النجاح والتفوق، ويكونوا قدوة لغيرهم، خاصة أنّ الأنظار دائمًا تتجه لأبناء الشهداء، وماذا سيفعلون؟ وعليه الفقد لا يعني أن نبقى لا نفعل شيئًا".