فلسطين أون لاين

أدخلت على عائلتها فرحة مكسورة بألم الفراق 

تقرير قَبَس بنات تختار "القانون" لتحقيق العدالة لوالدها المغدور

...
قبس بنات
غزة/ يحيى اليعقوبي:

كأي طالب يتمنى أن يستقبل والده النتيجة وهو يجلس بجواره ويعانقه ويقبل رأسه، ويحضر الحلوى، ويستقبل المهنئين، حرمت قبس نزار بنات من هذه المراسم، فاستقبلت نتيجة الثانوية العامة بفرحة مكسورة، تلمع من عينيها دموعُ فرحٍ أطفأتها قسوة الفقد، ومرارة عام كامل كانت فيها العائلة تبحث عن العدالة بين أروقة محاكم السلطة التي لم تحاكم القتلة والمتهمين بعد وتركت بعضهم طلقاء.

كانت أمنية الشهيد نزار بنات أن تصبح ابنته "قبس" محاميةً، حتى "ترافقه إلى جلسات المحاكمات" كما كان يقول لها، وليرفع رأسه بها، زرع فيها قوة الشخصية التي امتلكها، وجرأته في انتقاد الفساد، والانتماء للوطن والغيرة عليه، واليوم تحصد ثمرة نجاحٍ زرعه والدها، وتدخل الفرح الأولى لبيتها بعد مرور عام على اغتيال أجهزة أمن السلطة لوالدها في 24 يونيو/ حزيران 2021.

الشهر الماضي، أقامت العائلة حفل تأبين لابنها المغدور في ذكرى اغتياله الأولى، واليوم تعيش فرحتها الأولى حيث حصلت قبس على معدل 75% في الفرع الأدبي، واستقبلت النتيجة في لحظات اختلطت فيها المشاعر وتاهت هي بعيدًا عن واقعها المؤلم، تنادي على والدها لكن الصوت ارتد إليها خاويًا، لتجلس على مقعد وتخبئ وجهها خلف كفيها، وتحتهم توارت دموعها عن الأنظار.

الطريق مستمرة

"أهدي النجاح لأبي ولأبناء وزوجات الشهداء، ولشهداء جنين ونابلس ولفلسطين كلها، اليوم أنهيت مرحلة مهمة من حياتي، ويجب أن نبقى مستمرين حتى نحقق ما نريده" تستهل قبس حديثها لصحيفة "فلسطين".

تزامنت أوقاتًا ملاحقة أجهزة أمن السلطة لنزار، وإطلاق النار على بيت عائلته، مع انتهاء قبس من الصف الحادي عشر، صورة والدها المتلهف لدخولها التوجيهي تقفز أمامها: "من شدة لهفته وتحمسه كان يقول لي قبل أسبوع من اغتياله: "بدي أروح وندرس عربي، ورياضيات"، وحتى ليلة اغتياله قال لي: "لازم ندرس للتوجيهي" وكان يريد تهيئتي للعام الدراسي خلال الإجازة الصيفية، لكن حدث الاغتيال، وكنت في حالة نفسية صعبة ودرست لأجل والدي وليس لأجلي". 

يحضرها أيضًا وصية والدها: "كان يريد أن أدرس القانون، حتى أحقق شيئًا من العدالة الضائعة، وسأدرس القانون وحتى لو طال الزمن أتمنى أن أستطيع فعل شيء في محاكمة قتلته، وأن يكون الحكم رادعًا وليس كما نرى الآن، فالمتهمون يأخذون حريتهم، ويخرجون للزواج، أو للاحتفال مع عائلاتهم".

لم تكن الدراسة في غياب الأب أمرًا عاديًّا أو بسيطًا عليها، خاصة أن العام الماضي شهد مماطلات وتأجيل جلسات وتلاعبًا في قضية "بنات" في محاولة لطمس الحقيقة، لم تكن قبس بعيدة عن المشهد، تراقب جلسات المحاكمة تنتظر إعلان الحكم على القتلة حتى يهدأ قلبها، لكن ذلك لم يحدث.

صعوبات كبيرة

صعوبات كبيرة تخطتها قبس تستعرض جانبًا منها: "دخلت في حالة اكتئاب كبيرة، ففقد أبي دمر نفسيتي، وأصبت خلالها بفيروس كورونا، ولم أستطِع الدراسة خلاله، وفعليًّا بدأت الدراسة في شهر مايو/ أيار، وهناك مواد أكملتها ليلة الامتحان، ربما لم أعطِ التوجيهي حقه كأي طالب لكن الأمر ليس بيدي بل الظروف هي من فرضتها".

"عليكِ بالدراسة لأن النجاح أجمل شيء في الحياة، وكي تصبحين محامية، ولأرفع رأسي بك"، تستذكر كلمات والدها لها، معاهدةً روحه أن تنفذ وصيته كما كان يتمنى، وأن مسيرة النجاح ستستمر حتى تحقق العدالة المفقود.

مشاعر الفرح أيضًا غمرت صوت أمها في حديثها لصحيفة "فلسطين": "هذه تكملة لمسيرة نزار، وجاءت النتيجة بعد سنة مليئة بالحزن والألم ووالدها غير موجود، تضع قبس قدمها على بداية الطريق، وتخطت ظروفًا قاسيةً جدًا في أثناء جلسات المحاكمات التي كانت تجدد غصة في القلب وتفتح الجرح من جديد لعدم تحقق العدالة لنزار وكنا نأخذ للأطباء".

نزار مدرس لغة عربية عمل لمدة ثلاث سنوات في مدارس خاصة ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وفق زوجته، وتمنى أن يدرس ابنته هو مادة اللغة العربية وأن تصبح محامية حتى ترى حجم الفساد والظلم في أروقة المحاكم بالضفة الغربية وتعيش لحظة المدافعة عن حقوق المظلومين.

تستحضر أيام الامتحانات "في مادة اللغة العربية تجدد الحزن ودخلت ابنتي في حالة صعبة، لكنها صبرت وتغلبت على نفسها، ونهدي نجاحها لروح الشهيد نزار وجميع شهداء الوطن وزوجات الشهداء والأسرى".