في غرفته المزدحمة بالكتب والملازم وأوراق المراجعات، مع ضغط الدراسة، كان الملل يتسلل إلى أنس الحرازين في بعض الأوقات، فيرفع نظره إلى الورقة التي علقها فوق مكتبه "الأول على فلسطين"، فيستعيد شحذ همته من جديد ليحقق هذا الحلم.
بترقب جلس "أنس" إلى جوار والديه أمام شاشة التلفاز لحضور مؤتمر إعلان نتائج الثانوية العامة. كان التوتر يسيطر عليه. نظرت إليه والدته باستغراب من إصراره الشديد على حضور المؤتمر، وما إن بدأت تلاوة الأسماء وإذ باسم "أنس الحرازين" يتصدر قائمة أوائل فلسطين في الفرع العلمي بمعدل 99.7% لعام 2022، من مديرية شرق غزة.
الأول هدفي
اهتز البيت بصرخات أنس ووالدته التي عانقته عناقًا حارًا، فاليوم آخر "عنقودها" يختمها مسكًا، ويحقق حلمها بأن يتردد اسمها على وسائل الإعلام بصفتها والدة أحد أوائل الثانوية العامة على مستوى فلسطين. ادخرت كل أملها في "أنس" فكان لها ما أرادت.
علامات الفرح سيطرت على "أنس" وهو يتحدث لـ"فلسطين": "لحظة سماع اسمي بحصولي على ترتيب الأول على فلسطين في الفرع العلمي لم أتمالك نفسي من البكاء، وسجدت لله شكرًا، فهذه اللحظات تعجز الكلمات والحروف عن وصفها".
ويضيف: "مع بداية العام وضعت المركز الأول على فلسطين هدفًا، وكتبته على جدران غرفتي، حتى إن شعرت بالملل والتعب في لحظة ما أقرؤه لكي أشحذ الهمة من جديد، وبالفعل كنت أنسى كل شيء وأكثف دراستي من جديد".
ويطمح أنس لدراسة الطب البشري كإخوته من قبله، إذ يحلم بأن يغدو طبيبًا مميزًا يخدم فلسطين وأهلها.
وينصح كل طالب وطالبة يتمنون بأن يكونوا في قائمة أوائل فلسطين، بالاجتهاد أولًا والاعتماد على الكتاب الوزاري، مع تنظيم الوقت بين الدراسة والترفيه، ووضع خطة دراسية منذ اليوم الأول لبدء العام الدراسي.
وعن "روشتة" التفوق التي أوصلته للمركز الأول، يجيب أنس: "كنت أراجع دروسي يوميًا، ويوم الجمعة أخصصه لمراجعة جميع دروس الأسبوع، ومع انتهاء كل وحدة دراسية أراجعها كاملةً لأرسخ المعلومة في ذهني أكثر، وبهذه الهمة العالية يصل الطالب إلى مبتغاه دون أن يشعر بالإرهاق".
الأول يا أنس
زغاريد والدته لم تتوقف، كما دموع الفرح التي بللت وجنتيها، فطالما ألحت عليه "بدي إياك من الأوائل يا أنس" فكان يخفف من حدة توقعاتها: "بس أجيب الأول على شرق غزة".
ويهدي أنس تميزه لوالدته مازحًا: "هي من كانت تقدم الثانوية العامة وليس أنا"، ولوالده الذي سخر كل جهده من أجل دعمه وتوفير الأجواء الإيجابية له، كما فعل من قبل مع إخوته الأطباء الثلاثة.
تقول والدته لـ"فلسطين": "لطالما توسمت التفوق في أنس، ولكنه لم يكن يظهر لي هذا الأمر، ويخشى أن أرفع سقف توقعاتي ولا يحقق ما تمنيت، لذا كان إعلان اسمه في المركز الأول على مستوى فلسطين صدمة كبيرة لي، ولكنها صدمة جميلة لا تعادلها فرحة في هذه الحياة".
وقبل أن يلبس والدته تاج المركز الأول على فلسطين، ألبسها تاج الوقار من قبل، حيث تمكن من حفظ القرآن الكريم كاملًا وتسميعه على جلسة واحدة.
وهنأت ابنها بهذا التميز، وأهدته إلى كل الشعب الفلسطيني، وكل ولي أمر قطف ثمار تعبه مع ابنه أو ابنته في مثل هذا اليوم المشهود.