تمت مساء أمس بمكة المكرمة عملية استبدال كسوة الكعبة المشرفة وسط حفاوة بالغة فيما لهجت الألسن بالدعوات لله رب العالمين في مشهد يأسر العيون والقلوب إجلالا وتعظيما لقبلة المسلمين.
ويتكرر مشهد استبدال كسوة الكعبة المشرفة كل عام، ويحظى أول بيت وضع للناس في الأرض "الكعبة المشرفة" بالتعظيم منذ وضع قواعده سيدنا إبراهيم الخليل وابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام بأمر من الله عز وجل، ولم تنل بقعة في الدنيا ما نالته الكعبة المشرفة من المحبة والتقديس والإجلال، فإلى شطرها يولي المصلون وجوههم وإلى رحابها تهوى أفئدة العابدين.
وبدأت مع غروب أمس الجمعة الأخير من العام 1443 هجرية تحضيرات نقل الكسوة الجديدة للكعبة المشرفة وسط منظر مهيب وفي موكب عظيم تقدمت الكسوة الجديدة صوب المسجد الحرام لتكتسي الكعبة المشرفة ثوبها الجديد إجلالا وتعظيما لله عز وجل.
وبكل فخر تسارعت خطى حاملي الكسوة إلى الكعبة المشرفة للمشاركة في عملية الاستبدال ليتم إنزال حلة تحمل أحداث عام مضى، ولترتفع أخرى لتسجل أحداث عام جديد.
وتشرف رئاسة الحرمين على حياكة وتطريز وتجهيز ثوب الكعبة المشرفة والذي تبلغ كلفته سنويا 25 مليون ريال سعودي.. عبر العديد من الأقسام المختلفة وباستخدام الآلات الحديثة بمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، فيما يصل عدد العاملين على صناعتها 220 صانعا وإداريا.
وتستبدل كسوة الكعبة، التي تعد أغلى ثوب لأقدس بيت في الأرض مع مطلع كل عام هجري جديد بثوب قشيب يعد "الأغلى"، والذي يصنع من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود ويزدان بآيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرزة تطريزا بارزا بالذهب.
ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترا وبالثلث الأعلى منه يوجد حزام عرضه 95 سنتيمترا، وطوله 47 مترا، ومكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
وتتكون الكسوة من أربع قطع، تغطي كل قطعة وجها من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة وتمر صناعتها بمراحل عدة.
إذ يجمع قماش "الجاكارد" لتشكيل جوانب الكسوة الأربعة ثم تثبت عليه قطع الحزام والستارة، تمهيدا لتركيبها فوق الكعبة المشرفة.. ويبلغ عدد قطع حزام كسوة الكعبة المشرفة 16 قطعة، و6 قطع و12 قنديلا أسفل الحزام و4 صمديات توضع في أركان الكعبة، و5 قناديل "الله أكبر" أعلى الحجر الأسود إضافة إلى الستارة الخارجية لباب الكعبة المشرفة.
وبخيوط من الحرير والذهب والفضة وبأيدي كفاءات وطنية مؤهلة تتم حياكة وتطريز ثوب الكعبة المشرفة كل عام، وتتعدد أقسام مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بين التحلية، والمصبغة، والمختبر، والطباعة، وتطريز المذهبات، ومن أبرز هذه الأقسام قسم النسيج الذي يعمل على نسج ثوب الكعبة المشرفة الخارجي من خلال عدة مراحل فنية مقننة ومحكمة وبواسطة كوادر وطنية مؤهله علميا وعمليا.
وينتج القسم النسيج الخارجي للكعبة المشرفة بواسطة مكينة "الجاكارد" التي تنتج نوعين من النسيج الأول يحتوي على العبارات والآيات القرآنية المنسوخة تسمى النسيج المنقوش، والآخر خال لكي توضع عليه المطرزات.
وتعتبر كسوة الكعبة واستبدالها سنويا اتباعا لما قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده، فقد ثبت أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول الكريم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين.
وعلى مر السنين اتخذت الكسوة طابعا ووصفا خاصا، وكان لها العديد من الأشكال والمواصفات ولكل حقبة وصف معين يتميز به حتى جاء العهد السعودي الزاهر بعنايته للحرمين ومقدساته وقاصديه.
ولكل نسيج للكسوة تحضيراته الأولية الخاصة من خيوط السدى، التي تختلف باختلاف النسيج من حيث كثافته وعرضه ونوعه.. ومن ضمن الآلات المستخدمة في مصنع الكسوة ماكينة عجلة اللف الآلية التي تعمل على تحويل الخيوط من شلل إلى بكرات، ثم ماكينة البرم والتجميع وماكينة البطانة الداخلية.. فيما توجد ماكينة النسيج وهي تعمل على نسج الحرير السادة لحزام ثوب الكعبة المشرفة.
وتحاك كسوة الكعبة المشرفة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود ويزدان بآيات قرآنية و زخارف إسلامية مطرزة تطريزا بارزا بالخيوط الذهبية.
وتسبق عملية تبديل الكسوة استعدادات متناغمة ومتكاملة من الجهات المعنية في رئاسة الحرمين ومجمع الملك عبد العزيز لصناعة الكسوة وتمر بمراحل متعددة تهدف إلى ضبط الجودة وتحري أحدث التقنيات الحديثة لضمان أعلى درجات الجودة بما يليق بالكعبة المشرفة قبلة المسلمين.
وأوضح المستشار عبد الحميد المالكي، وكيل الرئيس العام لشؤون كسوة الكعبة، آلية استبدال الكسوة، وقال إنه يتم إنزال الكسوة القديمة للكعبة، وإلباسها الكسوة الجديدة، والمكونة من أربعة جوانب مفرقة وستارة الباب، ويرفع كل جنب من جوانب الكعبة الأربعة على حدة، إلى أعلى الكعبة المشرفة تمهيدا لفردها على الجنب القديم، ويتم تثبيت الجنب من أعلى بربطها وإسقاط الطرف الآخر من الجنب بعد أن يتم حل حبال الجنب القديم، بتحريك الجنب الجديد إلى أعلى وأسفل في حركة دائمة.. بعدها يسقط الجنب القديم من أسفل ويبقي الجنب الجديد، وتتكرر العملية أربع مرات لكل جانب إلى أن يكتمل الثوب، وبعدها يكون الحزام على خط مستقيم للجهات الأربع بخياطته وتبدأ هذه العملية أولا من جهة الحطيم، لوجود الميزاب الذي له فتحة خاصة به بأعلى الثوب.
وأضاف أنه بعد أن يتم تثبيت كل الجوانب تثبت الأركان بحياكتها من أعلى الثوب إلى أسفله وبعد الانتهاء من ذلك يتم وضع الستارة التي تحتاج إلى وقت وإتقان في العمل بعمل فتحة تقدر بمساحة الستارة في القماش الأسود التي تقدر بحوالي 3.30 أمتار عرضا حتى نهاية الثوب، ومن ثم يتم عمل ثلاث فتحات في القماش الأسود لتثبيت الستارة من تحت القماش، وأخيرا يتم تثبيت الأطراف بحياكتها في القماش الأسود على الثوب.
ويتم استخدام خيوط من الذهب والفضة في تطريز كسوة الكعبة، حيث يصل عدد قطع المذهبات 54 قطعة على الكعبة، وتتم حياكة وتطريز الثوب في قسم تطريز المذهبات بمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك باستخدام 120 كيلوغراما من المذهبات، و100 كيلوغرام من الفضة المطلية بماء الذهب، و760 كيلوغراما من الحرير.
ويجري تطريز الآيات القرآنية والزخارف بالخيوط الفضة المطلية بماء الذهب، وذلك بعد وضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط المطبوعة على القماش الأسود، ومن ثم يقوم صناع الكسوة بعمل الغرز والحشو والقبقبة بالقطن ويتم إنتاج 17 قنديلا و 4 صمديات تحمل سورة "الإخلاص" توضع في أركان الكعبة، و16 قطعة لحزام الكعبة، و7 قطع أسفل الحزام، والكينارين والعرق وحلية الميزاب، إضافة إلى الستارة الخارجية للباب.
وتتم عملية النسج بشكل آلي بالكامل من خلال تحويل الخيوط من شلل إلى بكرات، والبرم والتجميع وبعد ذلك تقوم ماكينة "الجاكارد" بإخراجها بشكل جاهز حسب المطلوب منقوشا أو سادة والعبارات المنقوشة على النسيج هي "لا إله إلا الله محمد رسول الله".. "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".. "يا الله يا الله"، "ياديان يامنان".
وتعد عملية صيانة كسوة الكعبة من الأعمال الدورية وفق برنامج ثابت، حيث تتم عملية تنظيف شاملة لثوب الكعبة المشرفة على مدار العام.