لم تكن محاولة اغتيال نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق د. ناصر الدين الشاعر، الجريمة الوحيدة بحق شخصيات سياسية في الضفة الغربية المحتلة، فقد تعرضت عشرات الشخصيات الوطنية لمثل هذه الجرائم، من عناصر في حركة فتح وأجهزة أمن السلطة.
وعلى مدار السنوات الماضية، كان الاغتيال والاعتداء بالهراوات، وإطلاق النار على المنازل والمركبات، أداة السلطة وحركة "فتح" في مواجهة خصومها ومنتقدي سياساتها.
ومن أبرز أشكال انتهاك الحق بالحياة الذي مارسته السلطة ضد خصومها هو اغتيال أجهزتها الأمنية المعارض السياسي نزار بنات في 24 يونيو 2021، بعد اقتحام منزله في الخليل، بعد تعرضه للضرب المبرح بأدوات خشنة لعدة ساعات قبل أن ينقل جثة هامدة إلى إحدى المستشفيات.
ونزار بنات مرشح للانتخابات التشريعية عن قائمة الكرامة، ومن أبرز النشطاء المعارضين لسياسات السلطة بالضفة، ومهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية، نشط ضد مشروع التسوية واتفاقية "أوسلو".
وكان نزار ناقدًا للفساد ولتقييد الحريات في الضفة، وتحدث في آخر ما نشره عن مخاطر صفقة اللقاحات الفاسدة التي حاولت السلطة تمريرها على الشعب الفلسطيني.
وإلى جانب نزار، تعرض الكاتب والأكاديمي الراحل عبد الستار قاسم في أغسطس 2014 إلى محاولة اغتيال، من خلال إطلاق النار على مركبته وبيته.
وفي حينها، اتهم قاسم المعروف بمعارضته لنهج السلطة، أجهزة الأمن بالضفة بـ"التقاعس في ضبط الأمن".
وفي سبتمبر 2014، تعرض النائب الثاني للمجلس التشريعي حسن خريشة لمحاولة اغتيال أيضاً من خلال إطلاق النار المباشر عليه.
كما تعرض وزير الأسرى السابق الراحل وصفي قبها في فبراير 2014 إلى الاعتداء من عناصر محسوبة على حركة فتح.
وسبق أن تعرض القيادي بحركة الجهاد الإسلامي الأسير المحرر خضر عدنان في أثناء وجوده بمدينة نابلس، في مارس الماضي إلى إطلاق نار من مسلحين تابعين لحركة "فتح" دون إصابته بأذى.
أيضا استهدف عناصر من حركة "فتح" في سبتمبر 2021 مركبة الناشط فخري جرادات، مرشح قائمة "طفح الكيل" للمجلس التشريعي، بالرصاص الحي قرب الجامعة العربية الأمريكية في جنين.
وخلال إجراء الانتخابات القروية المجتزأة أطلق مسلحون مجهولون الرصاص بكثافة تجاه مقر شركة تتبع لأحد الفائزين في قائمة "كرميون" المنافسة لقائمة حركة "فتح" في انتخابات بلدية مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، في مارس الماضي.
بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي، راشد البابلي، أن سياسة تكميم الأفواه وإبقاء اللون الواحد، لا تزال قائمة في الضفة وبكل دكتاتورية واضحة وبأدوات دموية محضة في ظل حالة الفلتان الأمني السائدة.
ويقول البابلي في حديثه لـ"فلسطين": "ما يحدث من استهداف للشخصيات الوطنية هو تناغم واضح مع سياسة الاحتلال القمعية بحق كل الأصوات الفلسطينية المنادية بالوحدة وإنهاء وجود المحتل على هذه الأرض".
ويضيف البابلي: "سبق وتم اغتيال نزار بنات وغيره من الشرفاء الذين قضوا شهداء للحرية والعدالة ومنادين بحقوق الإنسان الفلسطيني، ومؤخرًا كانت محاولة اغتيال الشاعر".
ويوضح أن محاولة اغتيال الشاعر تهدف إلى قتل كل صوت ينادي باسم الحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية، خاصة أنه كان له الدور الأبرز في الدفاع عن حقوق الطلبة داخل الجامعات بل ومسانداً لهم في حقوقهم.
من جانبه، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي، بكر الشيخ عيد، أن الرصاصات التي أصابت "الشاعر" هي نفسها التي أصابت الدكتور عبد الستار قاسم، واغتالت نزار بنات.
ويقول الشيخ عيد في حديثه لـ"فلسطين: "الشخصيات الوطنية والأكاديمية التي توجه انتقادات للسلطة بالضفة الغربية تعيش تحت التهديد بالقتل والاغتيال في ظل حكم السلطة الشمولي والإجرامي".
ويشدد على أن "المطلوب تشكيل حالة من الضغط الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني لمواجهة تغول السلطة على نخب المجتمع".