تؤكد الوقائع العنيدة ومنذ أُعلن عن قيام سلطة صك عار أوسلو عام 1994، أن عمليات قتل القيادات الوطنية ونشطاء العمل الوطني، ليست إلا سياسة منهجية رسمها وعمل بها منذ اليوم الأول قيادات الصف الأول، في الوقت الذي أخذت فيه هذه العصابات المتخابرة مع العدو في ممارستها الدموية اتجاهين:
-
التصفيات بين مراكز القوى وحوادث القتل والصراعات البينية كثيرة وقد حصدت رؤوساً معلومة من قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسات الإعلامية والوزارات وغيرها على امتداد قطاع غزة والقدس والضفة الفلسطينية المحتلة.
-
الاغتيالات التي طالت عددًا من القيادات الوطنية ومن الكادرات الفاعلة في الميدان وهي لا تحصى وقد غيبت قامات ستبقى حية في القلوب والعقول.
ومحاولة اغتيال الدكتور ناصر الدين الشاعر لم تكن المحاولة الأولى التي تعرض لها، كذلك ما وقع مع المرحوم الدكتور عبد الستار قاسم والدكتور حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، والشيخ مجد البرغوثي الذي اغتيل في أثناء التحقيقات في سجون سلطة عباس.
ولن ينسى الشعب الفلسطيني الشهيد الكبير ورجل الكلمة الوطنية الحرة والشجاعة نزار بنات الذي تعرض أيضاً ولعدة مرات قبل اغتياله الجبان لعمليات اغتيال فاشلة.
ولن ينطلي على أحد ما صدر عن رأس نظام القتل المنظم محمود عباس بإدانة "حادثة إطلاق النار"، وهو الذي شدد كذباً وزوراً على أنه "لن نسمح بهذه الأعمال المرفوضة"!
ويعلم القاصي والداني أن ما هو مرفوض عند عباس وعصابته المارقة هو مقاومة الاحتلال، وهو الذي يهدد جهاراً نهاراً بأن السلاح الشرعي والوحيد هو سلاح أجهزته الأمنية التي سلمت المئات من قيادات وكادرات فصائل المقاومة وفرسانها المجاهدين وكثيرة هي أسماؤهم، وقد اعترفت قيادات العدو العسكرية والأمنية بمستوى التخابر الأمني "الرفيع" الذي يقدسه عباس دون خجل أو وجل وكم من مرة اتصل وزير حرب العدو ورئيس أركانه وشكرا عباس على نجاعة المعلومات التي مكنتهم من أسر وقتل عدد من أبطال المقاومة.
أما الأوامر التي يقولون أن عباس أصدرها للأجهزة الأمنية بالتحقيق الفوري لما أسماه "الحادثة" و"القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة"! فهي لذر الرماد في العيون.
ونسأل: مَن أعطى الأوامر باغتيال الشهيد نزار بنات لعدة مرات، وأين من اغتالوه من القتلة الذين أرسلهم عباس الذي قال: "لا أريد أن أسمع صوته"، وأين حسين الشيخ وماجد فرج وهب الريح ومحافظ الخليل حين شاركوا في إطلاق سراح القتلة الذين ينتمون لجهاز الأمن الوقائي والذين قاموا بهذه الجريمة الكاملة والمعلنة على رؤوس الأشهاد.
وطريف، بل ويثير الاشمئزاز والغضب نفاق وكذب حسين الشيخ حين يدين "وهذه المرة بشدة"، وقد كاد المريب أن يقول خذوني، حين يضيف "معتبراً عدوان الأجهزة الأمنية الدموي عملاً إجرامياً ولا يليق أبداً بأخلاقنا الوطنية" وداعياً إلى محاسبة الفاعلين! وكأن هناك من سيصدق دمدمته هذه! وما كان ممكناً لأولئك الفاعلين المعلومين لعباس والشيخ أن يقوموا بارتكاب جريمتهم دون أوامر منهم.
ومن أين جاء من قام بهذا العدوان الغادر والجبان حين قاموا بمحاولة اغتيال الدكتور ناصر الدين الشاعر أمام من شاركه جاهة المناسبة الاجتماعية لأسير محرر وجمهور المواطنين الذين شاهدوا جريمة محاولة الاغتيال . وكيف لاحقوه من بلدة كفر قليل في نابلس وحتى تقاطع شارع القدس وقاموا مرة أخرى بإطلاق النار لاغتياله حين توقف ولم يستطع الاستمرار في قيادة السيارة بسبب إصابته في قدمه وشدة النزيف، ليمطروه مرة أخرى بصليات الرصاص وليثخنوا جراحه.
لقد كانت محاولتهم الأولى تهدف لاختطاف الدكتور الشاعر، كما أن مشاهدة آثار الرصاص تشي بوضوح أن النية كانت لقتله دون تردد، وكان ذلك كله تحت رصد الكاميرات التي من خلالها يمكن معرفة المعتدين المجرمين وهم الذين تابعوا محاولتهم الآثمة مرتين.
لقد كان رد فعل إطلاق النار على نائب رئيس الوزراء الأسبق والأكاديمي، واسعاً جداً لمردوداته الخطيرة على السلم المجتمعي، ولتبعاته ومعانيه السياسية التي تكشف على نحو لن يستطيع أحد الدفاع عنه في أن سلطة مقاطعة أوسلو تنحدر عميقاً في خدمة العدو وتقاسمها الوظيفي الفاجر باغتيال قيادات العمل الوطني ولاستكمال استيطان ما تبقى من التراب الوطني بعد تصفية قضية اللاجئين والقدس جوهر الصراع مع العدو النازي الكولنيالي.
لقد حفظ الله الدكتور ناصر الدين الشاعر بعد أن أصيب في قدمه بنحو 6 رصاصات غادرة، وهو الذي تم الاعتداء عليه من عناصر أمن جامعة النجاح في إثر الأحداث التي عصفت مؤخراً هناك وانتشار الفلتان الأمني واستخدام السلاح وانتهاك حُرمة الجامعة على يد عصابات الأجهزة الأمنية وعناصر شبيبة فتح حين هاجموا طلاب الكتلة الإسلامية في الجامعة وهي تحتفل بفوزها في الانتخابات الطلابية، وهو الذي تحقق في عدد من جامعات الضفة الفلسطينية المحتلة.
لقد أصدرت كل فصائل العمل الوطني الحيّة بيانات تستنكر فيها هذه الجريمة التي ترتكبها أجهزة سلطة عباس الأمنية، وتضع علامات استفهام كبرى حول الدور المشبوه والمدان لهذه الأجهزة، الذي يخدم ويتساوق مع الاحتلال وأهدافه، وهذا ما نشهد آثاره الكارثية في جبل النار في مدينة نابلس حين ارتقى فجر الأحد بالأمس الشهيد محمد العزيزي والشهيد عبد الرحمن صبح، وجرح أكثر من عشرة مواطنين، فما كان للعدو أن يقتحم حي الياسمينة في البلدة القديمة دون معلومات من أجهزة تخابر عصابة أوسلو الذي ترتع دون رادع بين ظهرانينا.
ويعلم شعبنا الفلسطيني ما يجري في جنين وطولكرم وبيت لحم وقلقيلية وكل الضفة المنتفضة حجم تآمر الأجهزة الأمنية التي تواصل اعتقالاتها واستدعاءاتها وحملات القمع والتعذيب في سجون سلطة كرزاي والتي تقتضي التوقف عن الشجب والإدانة وتجريب المجرب أو المطالبة بكشف ومحاكمة الفاعلين.
الفاعلون معلومون، وقد أضحت محاصرتهم ومحاكمتهم ضرورة وطنية قصوى اليوم وليس غداً.