تنشغل بين متابعة أخبار زوجها أحمد هريش المعتقل في سجن أريحا التابع للسلطة والاطمئنان على صحته، وبين تحمُّل ألم مخاض الولادة وهي توشك على وضع مولودها البكر "أكرم"، لحظة تخشى فيها "فاطمة زلوم" أن تفتح عينيها ولا ترى أحمد غير مُمسك بيديها بعد الولادة.
كان أحمد يتشوق إلى لحظة سماع صرخة الحياة الأولى تنطلق من قطعة منه، يتشوق للحظة تضع فيها الممرضة وليده في لحظاته الأولى في الحياة ليضمه بين ذراعيه، يسمع مناغاته ويؤذن في أذنيه، كثيرًا ما روى لزوجته ولشقيقته أسماء شوقه لهذه اللحظات.
وتستعد "فاطمة" لوضع مولودها في أيّ لحظة، بينما تُغيّب سجون السلطة في أريحا أحمد منذ 44 يومًا بتهمة "انتماء سياسي"، ليعيش الزوجان فرحةً مكسورةً خلف تلك القضبان.
صورة في المحكمة
بدلًا من أن تزفَّ فاطمة زلوم فرحتها وتتلهّف بشوقٍ لاستقبال مولودها، تعيش في حالة صراع، تحاول رفع صوتها المتعب عبر سماعة الهاتف المقابلة لصحيفة "فلسطين" قائلة: "في أيّ لحظة ستكون ولادتي، أحمد الركن الأساسي في البيت وكل شيء في غيابه يصبح ناقصًا، فبدلًا من أن أعيش في لهفة وفرحة بقدوم واستقبال المولود أعيش حالة صراع بقدومه ووالده غير موجود".
بالنسبة إليها وجود الزوج في هذه اللحظات أساسي وضروري، خاصة أنّ "أحمد" كان يحمل عنها جزءًا من المتاعب بإحضار كل ما يلزمها من أدوية مثبتة للجنين، وغيابه زاد الأعباء عليها رغم كثرة المحبين وأفراد العائلة الذين يحاولون تعويضها بعض الشيء عن غيابه.
"أحمد كان دائمًا متلهّفًا لاستقبال المولود، فشخصيته سمحة ودودة يحب الأطفال كثيرًا فكيف مع طفله؟، وهذا ما يزيد حالة الصراع لدي" يصلك صوت استيائها وهي تخشى زوجته أن تستقبل المولود وحيدة.
لم يتواصل أحمد منذ اعتقاله مع زوجته، وكل ما جرى هي أطراف محادثات تمت بدون أيّ استقلالية فلم تجلس معه، حتى اللحظة لم تستطع سؤاله كيف يعيش حياته اليومية في السجن.
في لحظة حاولت التخفيف عن آلام زوجها بسبب التعذيب الشديد الذي تعرّض له وعزله في زنزانة انفرادية حملت صورة لجنينها رفعتها في قاعة المحكمة، لتُطمئنه عليه، اغرورقت عيناه وسالت دموعه من بعيد وهو يرى صورة الجنين، لكنها لم تشفع له للاقتراب أكثر لرؤية الصورة الملونة أو حتى من أخذها معه للزنزانة.
لم تتعافَ زوجته بعد من مشهد اعتقال أحمد عندما توقفت سيارتان مدنيّتان أمام سيارة زوجها وهي ترافقه، وترجّل من السيارتين عشرة ملثّمين وسحبوه واعتقلوه، وتركوها وحيدة في الطريق حتى جاء أحد المواطنين وساعدها على قيادة السيارة والعودة لمنزلها.
انتظار ساعة
رافقت فاتن غنام زوجة أحمد خصيب وهي حامل في شهرها الثامن، عائلة زوجها في قطع مسافة بلغت نحو خمسين كيلو مترًا، من قرية عارورة شمالي رام الله بالضفة الغربية، لزيارته قبل عدة أيام في سجن "أريحا"، واضطرت إلى الانتظار أكثر من ساعةٍ تحت لهيب شمس الظهيرة الحارقة في تلك المنطقة المنخفضة بانتظار مناداة أفراد أمن السلطة عليهم للدخول للزيارة.
غياب أحمد عنها وهي توشك على الدخول في شهرها التاسع ليس أمرًا سهلًا، فتمر الأيام عليها صعبةً، تزيح الستار لصحيفة "فلسطين" عن بعض ما تعيشه: "غياب أي زوج عن المنزل ليس أمرًا بسيطًا فكيف إن استمر الغياب 40 يومًا، وأنا حامل بشهري الثامن واقتربت من الولادة، ولا أستطيع الاطمئنان عليه لا بمكالمة هاتفية ولا بلقاء في المحكمة".
تستحضر فرحته قبل الأسر لاقتراب قدوم ابنته، بغصة ترافق صوتها: "كان متلهفًا لدرجة كبيرة لقدومها، في هذه الفترة مفترض أن نُجهّز أغراضًا بسيطة لاستقبال طفلتنا كأيّ شخص يعيش حياة طبيعية، حتى زيارتي للطبيب أصبحت بدون فرحة".
ولا تعرف "فاتن" مصير زوجها أحمد إن كانت السلطة ستفرج عنه وسيعيش فرحته الأولى معها، أما ستبقى تعيش حالة القلق وتبقى تحت رحمة "أجهزة أمنية" باتت تُسلّط سيف الاعتقال السياسي على كل شيء.
موعد مع الاقتحام
السبت الماضي استيقظت زوجة المعتقل السياسي أيمن عرام الواحدة فجرًا، على وقع اقتحام أكثر من عشرين مسلحًا ملثمًا في أثناء اعتقال زوجها من أمام أطفاله، بعدما فتحوا غاز الفلفل في داخل المنزل، ما أدّى لتدهور صحتها وصحة جنينها.
بالأمس، كانت زوجته الحامل على موعد جديد من المعاناة، حينما اقتحمت ذات العناصر منزل العائلة لكن هذه المرة تواجد فقط أطفال ونساء العائلة، الذين عاشوا لحظات رعبٍ أمام هؤلاء الملثمين نُقلت على إثرها زوجة أيمن مرةً أخرى للمستشفى.
يقول الصحفي أمير أبو عرام شقيق أيمن لصحيفة "فلسطين": "إنّ المقتحمين أرعبوا الأطفال والنساء لأنّ الاقتحام كان وقت الظهر وكنا في أعمالنا، وحاصروا المنزل حتى جاء والدي من محكمة أخي أيمن وطلبوا مصادرة هاتف آيباد لابنه قسام (7 أعوام) وانسحبوا من المكان".
وأضاف عن حالة زوجة شقيقه الحامل بشهرها الثامن "الآن أصبحنا خائفين على صحة حملها، بعدما رشُّوا غاز الفلفل في المرة الأولى، كما عاشت لحظات رعب لا يتحمّلها الشخص العادي وجرى نقلها مرة أخرى إلى المشفى"، مؤكدًا، أنّ ما يجري استهداف واضح للعائلة وهي تتحمل المسؤولية عن صحة زوجة شقيقه وجنينها.