صرح الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الجمعة الماضية بأن بلاده ستتصدى لأي إجراءات تزعزع الأمن في المنطقة، في حين قال وزير خارجية إيران أن طهران "أكثر تصميماً" على حفظ مصالحها في الاتفاق النووي وكان المسؤول الإيراني خرازي رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران أكثر وضوحاً حين فجر قنبلة بأن إيران " أضحت قادرة على صناعة القنبلة النووية" ولكنها لم تتخذ القرار السياسي بذلك وأنها لا تنوي أيضاً الذهاب إلى هذا الخيار.
الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنذ وصوله للمحطة الأولى في جولته الشرق أوسطية (اسرائيل)، تعهد بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وبالرغم من دعوته طهران للعودة إلى الاتفاق النووي هدد في الوقت نفسه بمواصلة الضغوط عليها.
ويرى دانيال ديبترس المحلل السياسي المختص في مجال الدفاع في مجلة نيوزويك (Newsweek) الأمريكية أنه لا توجد دولة على ظهر الأرض وجهت لها تهديدات بحجم ما تلقته طهران من قبل رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين فعبارة " كل الخيارات مطروحة على الطاولة " لها معنى خاص وتعني بكل وضوح " إحتمال إستخدام القوة العسكرية "وهي عبارة تستخدم غالباً من قبل رؤساء الدول عندما يريدون إيصال رسالة قوية إلى خصومهم بأكثر الطرق دبلوماسية .
وعلى المقلب الآخر فقد أحدث تصريح السيد خرازي ما وصف بالصدمة والدوار اللذان أصابا كيان العدو الصهيوني، فقد صرح رئيس الأركان أفيف كوخافي أن (تل أبيب) تضع خططاً عسكرية لهجوم يستهدف ما تصفه بالتهديد النووي الإيراني تحت دعاوى أن طهران تمتلك القدرات الفنية لصناعة قنبلة نووية وأنها أجرت مناورات لضرب العمق الإيراني.
كما أضاف كوخافي في كلمته التي ألقاها مؤخراً في مراسم تغيير قائد قيادة الجبهة الداخلية بالجيش أن إعداد خيار عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني واجب أخلاقي وأمر مهم للأمن القومي، وفق تعبيره.
يصرح مسؤولوا كيان الإحتلال أنهم يتحركون عسكرياً وأن الخطط العملية قيد الإعداد، وهي متنوعة في إشارة إلى ما يعتزم العدو القيام به من هجمات ميدانية والتعامل مع ردود فعل إيران العسكرية التي هددت بضرب عمق فلسطين المحتلة والمواقع العسكرية والاستراتيجية، وكذلك خطط القتال للعدو وإدارة المعارك على جبهات عدة كمال أشارت إلى ذلك عديد المناورات التي تحاكي الاشتباك مع جبهة غزة والضفة الفلسطينية المحتلة التي بدأت فيها إرهاصات عمل عسكري منظم تنتشر في جل مدن وبلدات ومخيمات جنين ونابلس وطولكرم وطوباس متحدة بإسناد جماهيري تفرض على كيان الاحتلال نشر المزيد من وحدات جيشه وقواته الخاصة .
العدو يستعد للهجوم، وقادته يقولون أنه سيكون عملاً مكثفاً وأنه سيتجاوز المفاجآت وكل تطور أو سيناريو !!
ورغم ما أدلى به الرئيس الأمريكي من أن الولايات المتحدة ستضمن أمن (تل أبيب) وأنها ستستمر في عملية ادماجها في حلف دفاعي ضد طهران، إلا أن هناك ثباتاً في المواقف حول طبيعة المواجهة والتي تصر إدارات واشنطن على القول بأن الخيار الدبلوماسي هو المخرج الأمثل رداً على محاولات (تل أبيب) لاستدراج واشنطن لعمل عسكري مشترك ضد إيران مع دمج أطراف عربية أخرى كالسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
ورغم كل محاولات واشنطن إستخدام الضغوط الدبلوماسية القصوى على الرياض وعمان والدوحة والقاهرة فإن جولة الرئيس الأمريكي لم تعط أُكُلها وقد تحولت قمة جدة إلى محطة للعلاقات العامة مع أمل بأن تتعاون دول المنطقة لنشر الأمن والاستقرار الاقتصادي في زمن تعصف فيه الحرب الروسية الأوكرانية بالاقتصادات الأوروبية والأمريكية وبالعالم أجمع فينتشر الركود الاقتصادي والتضخم في غياب النفط والغاز اللذين يحركان عجلة الصناعة الغربية وخلو الأسواق من الكثير من الأغذية والحبوب والزيوت.
لقد جاء بايدن وهو يحمل قائمة من المهام التي تحدث عنها في مقاله الشهير والذي نقلته وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية لتشكيل ناتو عربي (NATO) لدمج كيان العدو تحت حلف عسكري لمواجهة إيران ومحور المقاومة الذي نعتوه ب "الإرهاب"، فوجد إجماعاً عربياً يساند حقوق الشعب الفلسطيني رغم كل الملاحظات والمآخذ على جوهر وحقيقة مواقف بعض النظم العربية الرسمية وسقف مطالبها بالعودة لإنقاذ المبادرة العربية التي صودق عليها في قمة بيروت 2002 والتي طواها النسيان بفعل النظم ذاتها والتي رسّمت بدء الاعتراف بدولة العدو والتنازل عن قضية اللاجئين ودمج هذا الكيان السرطاني الزائد في دول المنطقة .
لقد تناولت إيران نصف الكوب الملآن من ركام قمة جدة حين رحبت في تعليقها على النتائج وهي التي استقبلت بإيجابية المقترحات التي قدمتها قطر بشأن الحوار الإقليمي، كما رحب المسؤول الإيراني خرازي بتصريحات السعودية عن مد يد الصداقة لإيران .
ورغم معارضة رئيس حكومة تصريف الأعمال يائير لابيد التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وتهديده بأن (تل أبيب) "تحتفظ لنفسها بالحق الكامل في حرية العمل بمواجهة المشروع النووي الإيراني "، إلا أن رياحها لا تجري بما تشتهي سفن بيني غانتس فالولايات المتحدة ليست في وضع يمكنها من فرض الشروط وقد انكفأت ذليلة من كبواتها بعد 20 عاماً من الغرق في أوحال أفغانستان وهي تنسحب كذلك من الشرق الأوسط كما جرى في العراق وسوريا ومحاولة الخروج من مأزق حرب اليمن الظالمة، وهجوم التنين الصيني على المستويين الاقتصادي والعسكري وانقلاب السحر على الساحر للحرب الروسية الأوكرانية.
لا شك أن الاستعداد ضرورة تقتضيها قراءة تاريخ العدو في ارتكاب حماقات مغامراته العسكرية، ولكن محور المقاومة موحد اليوم لرد العدو على أعقابه على جبهات مقاومة الشعب الفلسطيني في كل فلسطين المحتلة وعلى جبهة لبنان الشمالية بامتدادها في سوريا والعراق وإيران.