الساعة الواحدة فجر السبت، استيقظت عائلة "عرام" التي تسكن شمال محافظة رام الله، على وقع أصوات تهديدات وصراخ أكثر من عشرين عنصرًا من مخابرات السلطة تتخفى وجوههم وراء لثام أسود، في أثناء اعتقال المحرر أيمن عرام من أمام أطفاله وزوجته الحامل بشهرها الأخير، التي ساءت حالتها الصحية نتيجة رش غاز الفلفل.
خمس عشرة مرة تناوبت أجهزة أمن السلطة على اعتقال أيمن، بدأت أولى الملاحقات على نشاطه الطلابي بجامعة "بيرزيت" عام 2008 تعرض خلالها لتعذيب شديد على نشاطه الطلابي، ورغم تخرجه من الجامعة استمرت ملاحقته واعتقالاته المستمرة، وهو أسير محرر أمضى أربع سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكان يستعد لاستقبال مولوده الرابع.
تفتيش المنزل
الصحفي أمير عرام وهو شقيق المعتقل أيمن، قال إن عناصر مخابرات السلطة فتشوا منزل العائلة والمنازل المجاورة، واعتدوا بالضرب على الجيران الذين تضامنوا مع أيمن، كما صادروا هاتف شقيقه وذاكرة الكاميرا الخاصة به، وهددوا العائلة حال قامت بنشر فيديو يوثق لحظة الاعتقال.
وأوضح عرام في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن عناصر أجهزة أمن السلطة فتحوا في أثناء التفتيش قنبلة غاز الفلفل، مدعيًا أنها فتحت عن طريق الخطأ، محملاً إياهم أي مسؤولية تلحق بزوجة شقيقه وجنينها، بعد تدهور حالتها الصحية من جراء استنشاق الغاز.
وتساءل: "كيف يقوم عناصر أمن بالدخول لبيت آمن في ساعات الفجر وهم ملثمون ويعتقدون أنهم يستطيعون التصرف والتهديد بكامل حريتهم دون انكشاف هويتهم؟"، مؤكدًا أن ما يجري مع عائلته هو تكامل أدوار بين الاحتلال والسلطة حيث يعتقل الاحتلال شقيقه الأكبر أشرف منذ عام وشهرين، في حين اعتقلت السلطة شقيقه أيمن وتنقتل فرحته باستقبال مولوده الجديد حال استمرت في اعتقاله.
وعدّ عرام اعتقال أيمن نوعا من الانتقام المستمر وغير المبرر لشقيقه، لكونه حاليا في الفعاليات الوطنية.
منذ عشرين يومًا تواصل السلطة اعتقال عضو مؤتمر مجلس الطلبة بجامعة بيرزيت قسـام حمايل، غاب فيها عن قضاء العيد بين عائلته وبات مهددا بتأخير دراسته في حال استمرت السلطة في اعتقاله.
يقول والده لصحيفة "فلسطين": "سجل ابني في الفصل الدراسي الصيفي، وفي حال استمرت في اعتقاله فسيضيع عليه الفصل وسينغصون فرحتنا بالاحتفال بتخرجه من تخصص تكنولوجيا المعلومات"، متسائلا، عن استمرار اعتقاله وتغييبه عن المنزل والعائلة في سجن "أريحا" فقط لأنه طالب يشارك بالفعاليات الطلابية".
شمس أريحا
أمس السبت، قطع والد أحمد خصيب مسافة 50 كيلو مترًا مربعًا قادما من قرية عارورة شمالي رام الله بالضفة الغربية، لزيارة ابنه أحمد المعتقل منذ 38 يوما في سجن "أريحا"، وانتظر هو وزوجته وأبناؤه لأكثر من ساعة تحت أشعة الشمس الحارقة في انتظار مناداة اسمه للدخول لزيارة أحمد.
يتشابه نمط الزيارات بين الاحتلال والسلطة لأقرب ما يكون "نسخة كربونية"، ففي كلتا الحالتين يفصل بين الأهالي عازل زجاجي، وتخضع الزيارات للرقابة.
وصف خصيب لصحيفة "فلسطين" الزيارة بأنها "إرهاق للأهل وليس للمعتقل فحسب، نظرا لبعد المسافة، وتعطيل الأشغال" وتقليد الاحتلال في كل شيء، مضيفًا عن وضع نجله: "قاموا بإخراجه من زنازين العزل الانفرادي قبل أيام، وهناك جلسة محاكمة له الخميس المقبل ونأمل أن يتم الإفراج عنه ليعود لزوجته".
حتى اللحظة لم يستطع إحسان الخصيب معرفة ما يجري مع نجله داخل المعتقل، إن كان تعرض لتعذيب أم لا، فالأسئلة التي يستطيع طرحها لنجله لا تتعدى كونها أسئلة اطمئنان على حالته والتعبير أمام مراقبة الأمن له.
ورغم أن أحمد خصيب محامٍ فإنه لم يستطع الدفاع عن نفسه ولم تسمح السلطة للعائلة بالدفاع عنه، معتبرا ذلك "ظلما يقع على ابنه يجب رفعه لأنه لا يوجد مبرر لهذا الاعتقال فزوجته حامل وفي شهرها الأخير ويريد أن يستقبل حفيده بالإفراج عن ابنه".
وسجلت مجموعة "محامون من أجل العدالة"، 73 حالة اعتقال سياسي في محافظات الضفة الغربية المحتلة، خلال شهر حزيران/ يونيو المنصرم.
ملاحقات تتصاعد
الناشطة سمر حمد، أكدت زيادة الملاحقات الأمنية بحق النشطاء من الشباب والطلاب والأسرى المحررين، وتزامن هذا التزايد مع اجتماع وزير جيش الاحتلال بيني غانتس مع رئيس السلطة محمود عباس برام الله وكذلك بعض التفاهمات بين السلطة والاحتلال؛ ما يؤكد أن السلطة ما زالت مصرة على البقاء في نهج الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية.
وقالت حمد لصحيفة "فلسطين"، إن الملاحقات تتركز على الأجنحة الطلابية التابعة لحماس، وذلك يعود إلى التزام السلطة بموجب اتفاقياتها الأمنية بمحاربة المقاومة.
وأضافت: "حماس هي أكبر قوة فاعلة تمثل النهج المقاوم"، مبينة أن السلطة تلاحق كل تنظيم أو إطار طلابي أو أفراد لا يتبنون نهج أوسلو والاتفاقيات الأمنية.
ولكي تغطي السلطة هذه الحقيقة تقوم بالاقتيات على الانقسام، ووضعه كشماعة تقنع بها أفرادها وتخدر الضمير والوعي الشعبي ليتقبل أو يسكت عن الاعتقالات، وهذا يوضح لماذا تتقلص الاعتقالات في أوقات المواجهات الكبرى كـ"سيف القدس"، وفق حمد.
ولفتت إلى أن السلطة تستشعر أنها فقدت جزءا كبيرا من جمهور الضفة الغربية، خاصة بعد المؤشرات الأخيرة كانتخابات بيرزيت والبلديات وإضراب طلاب جامعة النجاح، وكذلك ما تلا اغتيال المعارض السياسي نزار بنات، وهذا دافع آخر لاستغلال الاعتقالات السياسية من أجل محاولة تقويض شعبية فصائل المقاومة من خلال ضرب قواها المدنية والنقابية الحية والفاعلة.