وقَّع الرئيس الأمريكي جو بايدن في أثناء زيارته لدولة الاحتلال الإسرائيلي اتفاقًا مشتركًا مع رئيس وزراء الاحتلال يائير لبيد أطلق عليه (إعلان القدس) الذي يهدف إلى إدماج الكيان في المنطقة وتمكينه من التوسع وممارسة أدوار متقدمة في مواجهة التهديدات، وذلك عبر بناء "هيكل إقليمي" يمتد لدول عربية وإسلامية، كما تضمن الإعلان تعهد الولايات المتحدة والتزامها التام أمنَ الاحتلال والحفاظ على "تفوقه العسكري والنوعي"، ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي، والعمل على مواجهة الأنشطة الإيرانية بالمنطقة.
هذا الإعلان الأمريكي الإسرائيلي هو (عدوان جديد) على المنطقة، واستهداف خطير يهدد الأمن والاستقرار، وبمنزلة ضوء أخضر جديد لإعطاء الاحتلال مساحات إضافية للتمدد وممارسة أدوار غير مسبوقة لزرع القلاقل وتوتير المنطقة، ونشر الخراب والدمار، وفرض سيطرته الكاملة في المنطقة عبر الإرهاب وإشعال الحروب والعدوان المستمر، كما يوفر للكيان الأسباب الكافية لنهب ثروات المنطقة، ويعطي المشروعية للاحتلال للقيام بأي عمل تحت ذريعة الدفاع والحفاظ على الأمن في مواجهة التهديدات، وهو محاولة لتقويض أي نهضة لهذه الأمة ووضع معوقات جديدة لحرفها إلى مسارات خطرة عبر إشغالها في تحديات متعددة تجعلها دومًا في دوائر ممتدة ومتزاحمة من الصراعات التي تكون في صالح دولة الاحتلال.
ومن جانب آخر فإن الإعلان يكشف عن: 1- الانحياز الأمريكي الكامل للاحتلال الإسرائيلي، 2- حرص الولايات المتحدة على تفوق الاحتلال وتطوره على كل الصعد في المنطقة، 3- أنه لا يوجد مشروع أمريكي حقيقي لدول المنطقة وأن جميع الرؤساء الأمريكيين يتسابقون في تقديم الولاء لدولة الاحتلال عبر خطوات سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة، 4- أن قضية فلسطين لا تشكل أولوية على جدول أعمال الرئيس بايدن ولا تحتل أي أهمية في السياسة الخارجية الأمريكية، 5- أن المطلوب من العرب والمسلمين الانصياع التام للوصاية الأمريكية والخضوع الفوري لما تقرره الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، 6- أن العرب والمسلمين ليسوا حلفاء إنما تبعًا لما تقرره الولايات المتحدة ولا يمكنهم القيام بأي أدوار أخرى من أي تحالفات جديدة لا تضم الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
إن هذا الواقع الذي تحاول بواسطته الولايات المتحدة تركيع دول المنطقة تحت أقدام الاحتلال واقتيادها مرغمة وصاغرة لتنفيذ كل ما يطلب منها هو واقع خطير للغاية يجب أن تتم مواجهته، والعمل فوريًّا لإفشال هذا المخطط (الاستعماري التوسعي) ووضع حد لهذه السياسات العدوانية على كل الصعد، فإن عجزت الدول على الصعيد الرسمي فيجب أن يكون للشعوب دور مهم وفاعل في التصدي لهذه الهرولة المخزية التي يمارسها بعض الزعماء في المنطقة للتقارب بل التحالف مع الاحتلال الإسرائيلي والانخراط في "محور الشر الجديد" الذي يجري الترتيب له، وذلك بتوفير كل أشكال الدعم للقوى المناهضة والمقاومة للاحتلال الإسرائيلي والالتفاف حولها ومنع أي خطوات لشيطنتها أو التضييق عليها، لأنها أصبحت الأمل الوحيد لمواجهة المخاطر والتهديدات التي تعصف بالأمة.
لذلك فإن الرهان على الموقف والسياسات الأمريكية رهان خاسر وهو مغامرة لن تحقق أي نتائج مهمة للمنطقة العربية، كما أن التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي هو انحدار وانحراف خطير سيجر المنطقة لتهديدات ومخاطر غير مسبوقة، إذا لم تكن هناك خطوات عملية لإعادة ترتيب الأوراق فلسطينيًّا وعربيًّا لمواجهة هذه المخاطر التي يمكنها تغيير وجه الشرق الأوسط إلى صورة مختلفة عما نعيشه اليوم تكون أبرز صوره مشاهدة طائرات الاحتلال تنطلق من القواعد والمطارات العربية لشن هجمات ضد بعض البلدان العربية أو الإسلامية أو ربما أيضًا لتنطلق لشن هجمات ضد قوى المقاومة في المنطقة، وأكثر من ذلك في تنفيذ أكبر وأوسع عملية نهب للثروات العربية لصالح الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي.