خطوات نقابية متصاعدة شرعت في تنظيمها نقابة المحامين النظاميين في الضفة الغربية بدءًا بتعليق العمل في جميع المحاكم والنيابات أمس، واليوم، كخطوة احتجاجية ضد القرارات بقوانين التي أقرت مؤخرًا، باعتبارها مساسًا بعدالة القضاء.
وأغلق المحامون ظهر أمس، مجمع المحاكم بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، قبيل اعتصام المحامين، في حين عزّزت أجهزة أمن السلطة من حضورها في محيطه.
سبق هذه الخطوات التصعيدية، رسالة تحذير أطلقتها النقابة بتنظيم مسيرة حاشدة للمحامين على دوار المنارة بمدينة رام الله، احتجاجًا على القرارات بقانون الصادرة من رئيس السلطة محمود عباس، وبتنسيبٍ من رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار، مثل القرارات بقانون المعدلة لقانون الإجراءات الجزائية، والمعدلة لقانون أصول المحاكمات المدنية، وقانون التنفيذ، التي عدَّتها النقابة في بيان لها "تعدّيًا على مبدأ سيادة القانون والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم العامة”.
ومع وجود "مجلس تنسيقي" شُكِّل، بموجب مرسوم رئاسي يضم نقيب المحامين، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، والمدير العام للشرطة، والمدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ووزير العدل، وتكون صلاحياته إقرار التعديلات من عدمه، إلا أنّ التعديلات تمت من خلال مجلس القضاء الأعلى وحده دون الرجوع لأيٍّ من تلك الجهات الأخرى.
وأكد عضو ائتلاف النقابة للجميع المحامي أحمد شواهنة أنّ المرسوم الرئاسي ينوط بالمجلس التنسيقي إجراء أيّ تعديل على التشريعات وليس أن تتم فرديًّا كما حصل في التعديلات الأخيرة، مشيرًا إلى أنّ السلطة لم تأخذ تحفُّظات المحامين بالحسبان.
وقال لصحيفة "فلسطين": إنّ الأصل إنهاء الانقسام وإعادة الحركة الديمقراطية للمؤسسات الفلسطينية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، ومن ثم يعود التشريع من خلال السلطة التشريعية لحل هذه المشكلة من جذورها.
تحفُّظات لم يُؤخذ بها
وأوضح شواهنة أنه منذ اللحظة الأولى لصدور القرارات بقانون أبدت النقابة تحفُّظها في كثير من التعديلات التي تتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني وتتعارض مع ما سنّه المجلس التشريعي، ولها تأثير في السلم الأهلي، معتبرًا إيّاها "كوارث لا يمكن لها الحياة أو التعايش معها".
وشدّد على أنّ التعديلات تنال من كل ضمانات المحاكمة العادلة ومن كل المواد التي تحفظ حقوق الناس والتي تمنح للناس حقّها بالتقاضي على درجتين وبحضور المحامي وِفق ما هو معمول سابقًا، والتي بحسب التعديلات ستتم بدرجة تقاضٍ واحدة ودون حضور المحامي".
وأكد شواهنة، أنّ المحامين اضطروا لهذه الخطوات النوعية التي يدركون خطورتها، محذرًا أنه عند عدم الاستجابة فلن يكون هناك محامٍ بالضفة بعد الأول من آب/ أغسطس القادم، بمعنى آخر انهيار لمنظومة العدالة لأنّ المحامين لم يستطيعوا أداء رسالتهم.
وحذّر من أنّ التعديلات لها تداعيات خطيرة تقود لاقتتال المواطنين في الشوارع على "الشيكات" والأراضي وتكون العدالة في "مهب الريح"، ومن ضمن التعديلات على سبيل المثال "إن كنت متهمًا ودليل براءتك بيد رجل أمن وهو الشاهد الوحيد فأنت مجبور على إحضاره بأيّ وسيلة كانت وليست المحكمة مجبرة في ذلك"، وإذا لم تحضره يُحكم عليك بما هو متوفر من بيّنات.
واعتبر ذلك مخالفًا لقرينة البراءة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" الموجودة بالشرائع السماوية ومعمول بها في الدول المتقدمة، وملتصقة بالناس منذ الخليقة، مؤكدًا أنّ كل التعديلات تستهدف ضمانات المحاكمة العدالة، الغاية منها سيطرة السلطة التنفيذية على الأمن وعلى الحقوق والقضاء، وعليه تمنع المحامين من الدفاع عن أيّ قضية.
من ضمن التعديلات، وفق شواهنة، ما يتعلق بالأموال المودعة في المحكمة فإنه وبموجب التعديلات الجديدة هناك مدة معينة إذا لم يحصل المواطن على الأموال تتم مصادرتها، معتبرًا ذلك مصادرة لحقوق الناس، لا يمكن لمحامٍ أدى قسم اليمين بموجب المادة رقم "5" لقانون المحامين رقم 3 لسنة 1999 المتعلق بتنظيم المحامين أن يوافق عليها، وهي مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2005 وتعديلاته.
من جانبه، أشار المحامي د. سمير دويكات إلى أنه صدرت في عام 2020 تعديلات على قانون السلطة القضائية وتشكيل المحاكم، وقد أدت هذه القرارات بقانون إلى العبث في النظام القضائي وحولت مسارات كبيرة فيه وصنعت من "القضاة موظفين لا حول ولا قوة لهم"، ومنها الإبقاء على رئيس مجلس القضاء الأعلى ومنحه الاستمرار في منصبه إلى ما لا نهاية أو حتى الموت.
وقال دويكات في مقال نشره أمس: إنّ المحامين احتجوا على هذه القرارات بقانون، ووصل الأمر إلى تعطيل الأعمال في المحاكم إلى أكثر من أربعة أشهر، وبقي النظام الذي يحتفي بهذه القوانين بواسطة مجموعة من الأشخاص ثابتًا وتدخلت المحكمة الدستورية وأعادت نظام التقاعد من ستين سنة إلى سبعين سنة، وأمام هذا بقي المحامون على نضالهم ضد هذه القرارات بقانون ولكن شعروا ببعض الخذلان في صراع النخب وعدم وقوف الناس معهم.
وأشار إلى أنه في عام 2021 شهدت الحالة إصدار قرارات بقانون بتعديل وإصدار قوانين وعددها 6، ولكنّ الأهم فيها أنها جاءت بتعديل القوانين الرئيسة المعمول بها في المحاكم الفلسطينية ومنها الأهم قانون الإجراءات بتعطيل عدالة المحاكمات وحرمان المتهم من حقه في محاكمة عادلة والإبقاء عليه موقوفًا إلى نهاية المحاكمة ولو استمرت سنين.
وقال: "نحن كأعضاء في الهيئة العامة للمحامين نخوض هذه المعركة لأنّ التاريخ لن يرحمنا وسيحمّلنا كل أخطائه إن أخفقنا أو قبلنا، وستبقى هذه المعركة مفتوحة وستتوّج في نهاية الشهر بإنهاء كل أعمال المحامين في فلسطين، بنقل كل الأسماء للأساتذة المزاولين إلى سجل غير المزاولين، ومن ثم توقف المحاكم كاملًا عن أداء الأعمال".