- عبد العاطي: يفترض الاحتراز على الأدلة وعدم تسليمها إلا للجنة تقصي حقائق
- العاروري: الابتزاز يهدف لطي الملف والحيلولة دون إجراء ملاحقة دولية للاحتلال
- عساف: تسليم الرصاصة دلالة لرضوخ السلطة للإملاءات الأمريكية
لا تفسير لرضوخ السلطة في رام الله لطلب الإدارة الأمريكية تسليم الرصاصة التي قتلت بها الصحفية شيرين أبو عاقلة فجر الأربعاء 11 مايو/ أيار 2022 على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامهم مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، سوى أنه رضوخ للابتزاز السياسي، وتفريط بأهم دليل يتعلق بإجراءات التحقيق، يمكِّن الاحتلال من التلاعب بالملف، وفق ما يقول مختصون.
فرغم أن النائب العام برام الله أكد مسؤولية الاحتلال عن جريمة قتل أبو عاقلة، عقب تحقيق أجرته النيابة العامة وأظهر أن شيرين اغتيلت برصاصة من عيار 5.56، من سلاح جيش الاحتلال، إلا أن السلطة وضعت الرصاصة القاتلة بين يدي القاتل، بالتالي مكّنت جيش الاحتلال المتهم الوحيد بقتل أبو عاقلة من المشاركة بعملية فحص الرصاصة.
ما تحدث به الناطق باسم جيش الاحتلال، ران كوخاف، بأن الاحتلال سيفحص الرصاصة التي قتلت الصحفية أبو عاقلة بحضور أمريكي، دفع الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف للتساؤل، في حال تلاعبت (إسرائيل) وأمريكا برصاصة الدليل وهما يملكان من وسائل وأساليب التلاعب إمكانيات هائلة ماذا ستفعل السلطة؟
تسليم الرصاصة، وفق حديث عساف لـ"فلسطين" يعني أن السلطة وضعت الملف في يد الولايات المتحدة التي سبق أن تخلت عن تعهداتها ورسائل الضمانات المتعلقة بـ"أوسلو"، معتبرًا أن السلطة تصر على "أن تلدغ وبإرادتها من ذات الجحر مرات عدة".
قتل الملف
فيما يقول رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، د. صلاح عبد العاطي: إن حجم الضغط الأمريكي لاستلام الرصاصة نتيجة لإدانة العالم الواسعة لجريمة اغتيال أبو عاقلة والحرج الدولي الذي تعرض له الاحتلال لكون شيرين حاصلة على جنسية أمريكية، وهناك ضغوط ومطالبات دولية تتسع للبدء بتحقيق جدي.
ويضيف عبد العاطي لـ"فلسطين": إن السلطة لم تحل الملف للمحكمة الجنائية الدولية فما قامت به تمثل بإرسال مذكرة إحاطة عدا عن التحقيق الذي أجرته، وهناك مخاطر أن تتماشى السلطة مع السياسة الإسرائيلية-الأمريكية الهادفة لإجراء تحقيق تضمن امتصاص الرأي العام الدولي وقتل الملف ومحاولة التلاعب به وكأن الرصاصة هي التي ستثبت استشهاد شيرين على يد قوات الاحتلال رغم وجود كل الشواهد التي تثبت تورط الاحتلال.
الحل، وفق عبد العاطي، هو نقل الملف للجنائية الدولية وفتح تحقيق جدي على رأسه لجنة تقصي الحقائق ولجنة الحقوق والأمن في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإزاء ذلك يفترض الاحتراز على كل الأدلة لدى السلطة وعدم تقديمها إلا للجنة تقصي الحقائق والمحكمة الجنائية، إلا إذا قررت عائلتها بعد ذلك اللجوء للقضاء الأمريكي.
ولفت إلى أن الرصاصة أحد الأدلة والقرائن التي تثبت اقتراف الاحتلال للجريمة، ويخشى من تسليمها التلاعب في الدليل، بإتلافه أو الادعاء أنه ليس من الاحتلال، لذلك لا بد من الحديث عن مجمل الأدلة التي تثبت ارتكاب الاحتلال للجريمة وليس فقط الرصاصة.
أهم دليل
من جهته، رأى المختص في حقوق الإنسان والشأن القضائي، ماجد العاروري، أن الرصاصة هي أهم دليل يتعلق بإجراءات التحقيق المتعلقة بجريمة استشهاد الصحفية أبو عاقلة، إضافة للشهود، وهو من اختصاص النيابة الفلسطينية كون الجريمة وقعت في منطقة تحت سيطرة السلطة.
وقال العاروري في حديث لـ"فلسطين": إن خضوع السلطة للشروط الأمريكية بتسليم الرصاصة هو تنازل عن حقها بالتحقيق بالجريمة وتركه لجهات أخرى، فلا يعقل أن يكون هناك رأيان بالتحقيق، أحدهما فلسطيني والآخر أمريكي، لأن العالم بالتأكيد سيستمع للرأي الأمريكي.
تسليم الرصاصة في نظر العاروري يعني تنازلًا كبيرًا عن أحد أهم الأدوار، إذ إن الحل يكمن في إجراء تحقيق دولي تديره الأمم المتحدة ولا يخضع لأي نوع من الابتزازات السياسية، لأن هناك اعتقادًا بوجود محاولة لابتزاز السلطة سياسيًّا مقابل التنازل عن التحقيق بملف قتل أبو عاقلة، لطي الملف والحيلولة دون إجراءات ملاحقة وطنية وقانونية ودولية للاحتلال.
ولفت إلى أن ثبوت مسؤولية الاحتلال عن الجريمة يعرضه للملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإذا كان هناك اهتمام لدى الكونغرس الأمريكي بالملف، فيجب الاعتماد على التحقيقات الفلسطينية ويستمع الكونغرس للنائب العام في رام الله وما خرج به، مبينًا أن تشديد أمريكا على المطالبة بتسليم الرصاصة فيها نظرة استعلائية يعبر عن عدم الثقة بالتحقيقات التي تجريها السلطة.
رضوخ للإملاءات
لكن الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، يعتقد أن السلطة وأجهزتها دوما تحت الضغط والمشكلة أنها عودت الأمريكان والإسرائيليين أن تخضع للضغط وتستجيب له وفي الحالة المتعلقة بأبو عاقلة، "أرى أن الأمريكان ضغطوا وما زالوا على السلطة ولا تستطيع السلطة أن ترفض طلبا لهم وبالتالي من الطبيعي أن تسلمهم الرصاصة".
وأضاف عساف في حديث لـ"فلسطين" أنه "كان بإمكان السلطة أن تتيح للأمريكيين المجال لفحص الرصاصة بحضور فلسطيني ودون أخذها لأنها بالتالي ستصل للإسرائيليين كما صرح رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي وستسلم لهم بطريقة غير مباشرة".
ورغم أن السلطة صرحت أكثر من مرة على لسان مسؤوليها أنها لن تسلم الرصاصة، يلفت عساف، إلى أن تسليم الرصاصة يفقدها المصداقية في مواقفها، وهذا دلالة واضحة لرضوخ السلطة الدائم للإملاءات الأمريكية وحتى الإسرائيلية.
وقال عساف: "تسليم الرصاصة يعني أن السلطة سلمت أمرها للأمريكيين، وهؤلاء حلفاء ورعاة الإسرائيليين وبالتالي وكأنها سلمت الملف لجهة واحدة "أمريكية إسرائيلية" وهم و"ضميرهم" يقررون ما يشاؤون بشأن اغتيال شيرين".
ولفت إلى أنه كان على السلطة أن تسلم دليل الإثبات لجهة قضائية دولية تضمن عدم التلاعب.