فلسطين أون لاين

بالصور "قشة لفة".. تواصل لا ينقطع بين الأرض ومروة

...
مشغولات مروة أبو خليل من الطبيعة
بيروت/ انتصار الدنان:

تركت مروة أبو خليل قريتها التي تقع في مدينة السويداء السورية عام 2012، حين كانت في الـ18 من العمر. ابتعدت عن أهلها والبيت الذي ترعرعت فيه لأنها أرادت الهرب من الحياة التقليدية في القرية، وتجنب الطقس الحار الذي لا تحبه. 

تقول الشابة البالغة اليوم 28 عامًا: "لم يتقبل أهلي في البداية فكرة أن أترك القرية، وآتي إلى لبنان، لكنني فعلت ذلك حين بلغت سن الـ18، فتقبلوا ما حصل مع الوقت".

بدأت مروة دراستها الجامعية في الأدب الإنجليزي في دمشق، ثم اكتشفت لاحقًا ميولها الفنية، فالتحقت بكلية الفنون في الجامعة اللبنانية ببيروت، وتخرجت منها. ثم لاحظت حين بدأت في العمل اهتماماتها بالزخرفة، والخط العربي.

وتذكر أنها شعرت بنقص داخلها بين ما تعلمته في مسيرتها الدراسية والتطبيق العملي، ورغبت بالتالي في الانفتاح على مجال آخر، فدخلت عالم التصوير والمونتاج، وتعرّفت على مُخرج علّمها هذه التقنيات، ثم انتقلت إلى السينما، واكتسبت خبرات مهمة عزّزت شخصيتها، وصوّرت فيلمًا قصيرًا باسم "الوتوات" الذي روى قصة انتقالها من السويداء إلى حي الوتوات في بيروت، وأظهرت في الفيلم الفارق الكبير بين العيش بهدوء في السويداء وضجيج المنطقة الجديدة التي عاشت فيها.

بين أحضان الطبيعة

وفي تلك الفترة تزوجت مروة، واتفقت مع زوجها على الإقامة خارج بيروت، وتحديدًا في منطقة بشامون بقضاء عاليه، حيث استهوتها الطبيعة التي فكرت بتسخيرها في عمل فني. 

قشة لفة (3).jpg
 

كانت تجربتها الأولى في الصبغات الطبيعية والخطوط، ثم جمعت القش الذي كان يتساقط من الشجر بهدف التسلية في مرحلة أولى، قبل أن تدرك حاجتها إلى عمل، فوجدت فرصة في مدرسة أطفال توجد في غابة وتحمل اسم "حرشنا"، وتتعامل مع أطفال صغار تتراوح أعمارهم بين سنتين ونصف وست سنوات، عبر وضعهم في قلب الطبيعة، وما تنتجه، حيث خاضت تجربة رائعة، كما تصفها.

وبعدما وجدت ملاذها في العمل بمشروعها الخاص "قشة لفة"، باتت تعمل يومًا واحدًا في المدرسة، وتفكر في أن تتركها نهائيًّا العام المقبل، كي تكرس وقتها لمشروعها.

ويتمثل المشروع في أعمال تستخدم القش مثل سِلال وأدوات كانت تستخدمها الجدات في القرى، لكنها لا تنحصر في أطباق لوضع الطعام، بل تعكس جانبًا ثقافيًّا يعيد الناس إلى التراث القديم. 

وتضيف: "تسرق سلة أدوات العمل كل وقتي، أحملها في أي مكان أذهب إليه. أكسبني هذا العمل الهدوء وعلمني الصبر، وصرت أتعرف إلى مواد جديدة موجودة في الطبيعة، وأُجري تجارب مختلفة، وأتبادل خبرات مع الناس وأتعلم منهم ما لا أعرفه". 

قشة لفة (5).jpg
 

وتتابع: "في هذه الأعمال عمق كبير، فهي لا يمكن تعلمها في جامعات، بل تعتمد على تجارب عملية. وجعلني التواصل مع الطبيعة والسِلال أتعلق بالأرض، وصرت أعد أدوية طبية من الطبيعة، وصار بيني وبين الأرض تواصل لا ينقطع".

وتستخدم مروة سبع مواد توجد في الطبيعة، هي أغصان الزيتون وورق الموز والعرانيس (الذرة) والقصب والنخيل وأشجار الصنوبر والحلقة، وتصنع منها جميعها سِلالًا. وقد تعلمت كل شيء عن الأشجار التي تتضمن المواد التي تستخدمها في أعمالها من خلال القراءة والتجارب.

مقايضة

وتوضّح أنها حصلت منذ ستة أشهر على تمويل لمشروعها، ما ساعدها في إنشاء مشغل، مشيرة إلى أنّ مشروع السلال لا يحتاج إلى رأس مال لتوفير خيطان ومستلزمات أخرى، "فأنا أُعلّم أشخاصًا أساليب صُنع السِلال، بعدما وجدت اهتمامًا كبيرًا لدى أشخاص كثيرين بهذه الأعمال من خلال ورش العمل التي أنفّذها".

تنشر مروة هذه الموهبة بين الناس كي يعرفوا ما يمكن أن تعطيه الأرض، "وأُطلقهم في طريق التمسك بثقافتهم وتعزيز علاقتهم بالطبيعة".

وتشرح أنها تبيع المنتجات التي تصنعها من خلال "إنستغرام"، حيث أسهم تفشي جائحة كورونا في نشر المبيعات على الإنترنت، و"هناك إقبال كبير على ما أنتجه، إذ أتلقى طلبات بسرعة على أيّ قطعة أعرضها، وأحدد أسعاري حاليًّا بالليرة اللبنانية. كما أبيع بعض القطع عبر المقايضة". 

قشة لفة (4).jpg
 

وتقول إنّ إحدى النساء أخذت سلة وأعطتها دفترًا صنعته بنفسها من النبات، معتبرة تبادل الأغراض مهم أيضًا لجلب أفكار جديدة يمكن أن تُنفّذها في المستقبل.

وتصف مروة المال بأنه "الفخ في الحياة"، فظروف الحياة الصعبة تجعل الناس يقعون في فخّها، لكن يمكن أن يعطي الإنسان فرصة لذاته، والوجود في الطبيعة شيء جميل جدًّا. وقد توصّلت إلى نقطة مهمة في الحياة، أنه عندما نقتل خوفنا من الفشل ننجح، وهذا شعور جميل".