مهما صغر عمر الآباء أو كبر فقد مروا بتجارب حياتية عدة منها ما هو ناجح أو فاشل، ومع ذلك قد يسعى العديد من الآباء والأمهات إلى رسم صورة مثالية لأنفسهم في نظر أبنائهم، وأنهم لم يفشلوا أو يخطئوا في مراحلهم العمرية المختلفة، فهل يتعمد الآباء إخفاء أخطائهم أو تجاربهم الحياتية الفاشلة عن أبنائهم أم يشاركونهم الحديث عنها حتى وإن كانت محرجة أو قاسية؟
سمية توفيق (38 عامًا) ربة بيت، وهي أم لخمسة أبناء، تتحدث عن تجربتها بقولها: "يجب أن نعلم أن الأبناء لا يبقوا صغارًا، ففي أثناء تربيتنا لهم وهم صغار نحاول أن نرسم صورة مثالية لنا كآباء أننا لم نخطئ أو نفشل وقد تكون بعيدة عن الواقع، ولكن يجب أن نعلم أنهم سيكبرون وسيعلمون حقيقة كل شيء".
وتعتقد أنه من الجميل مشاركة الأبناء التجارب التي مر بها الآباء سواء كانت ناجحة أو فاشلة، والعمل على الاستفادة من خلاصتها لتجاوز محطات ومواقف قد يمروا بها.
انفتاح على العلاقات
في حين يرى الأربعيني بشير عبد الله أن مشاركة الأبناء التجارب والتحديات هو بمنزلة فرصة لتحسين العلاقة بين الطرفين، إلى جانب تحقيق الاستفادة المرجوة من التجربة المذكورة في حال تم طرحها دون تسلط، لكونه لا يوجد مسار محدد للحياة والنجاح.
ويشير إلى أن التجارب محطات ومواقف حياتية شخصية ومهنية واجتماعية تروى لأخذ العبرة منها، وشرح الأسباب التي قادت إلى الفشل أو النجاح، خاصة أن الأبناء يتعلقون بالآباء ويقلدون ما يقومون به.
وتدعم أماني حماد فكرة مشاركة الآباء لأبنائهم التجارب التي مروا بها لأخذ العبرة والعظة سواء كانت النتائج سلبية أو إيجابية، وأهمية أن تروى التجربة بما يناسب عمر الابن وتفكيره ليستطيع الحصول على النصيحة المستفادة من التجربة، وتعديل نمط تفكيره.
وتقول: "لا أجد عيبًا في نقل التجارب والمحطات التي مررنا بها للأبناء سواء كانت ناجحة أو فاشلة، ليتجنبوا الوقوع في أخطاء سبق أن وقع آباؤهم فيها، وكيفية تجاوز الفشل، ما يساعدنا في تشكيل وبلورة فكرهم".
الحفاظ على الخصوصية
وفي هذا الإطار تقول الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة، إن الحياة لا تخلو من محطات الفشل والنجاح، ومن المعروف أن الطبيعة البشرية تميل إلى التفاخر بالإنجازات وتتغنى برصيد من النجاحات، ولا يدخروا جهدًا في التباهي أمام الأبناء.
وتضيف: "يتفاوت البشر في أنماط شخصياتهم، فمنهم المنفتح المتصالح مع فكرة إشراك الأبناء تجاربهم وخبراتهم السابقة، وذلك لتحقيق الاستفادة واستخلاص العبر والدروس، ومنهم شخصيات منغلقة تتكتم عن إبداء أي تفاصيل عايشتها سابقًا وترفض مشاركة أبنائها تجاربها".
وتوضح أن هذا الأمر مرهون بعدة اعتبارات منها ما هو نفسية واجتماعية وأسرية، إلى جانب طبيعة المعلومات التي يجب طرحها أمام الأبناء، فليس كل شيء متاحًا الحديث به.
وتشير السعايدة إلى أنه لا بد على الأبناء أن يحفظوا الخصوصية عندما يسرد آباؤهم تجاربهم لهم، "مهما كانت العلاقة قوية بين الطرفين، وذلك لحفظ الحدود والمساحة التي يجب عدم تجاوزها خاصة إذا كان الأمر يتعلق بإلحاق أذى أو ضرر بالآخرين".
وتضيف: "عند الحديث عن أي تجربة يجب أن تكون مثمرة، ولا تكون لأجل الحديث فقط بل لأخذ الدروس والعبرة، لكون مشاركتها يتيح للآباء بشكل فعال تعليم أبنائهم الإيجابيات والسلبيات من التجارب التي مروا بها".
مناقشة التجارب
وتتابع السعايدة: "ويجب ألَّا يقتصر الأمر على رواية التجربة وإنما مناقشتها خاصة إذا كانت فاشلة، واعترافهم بالخطأ الذي وقعوا فيه، وطرح الدروس المستفادة حتى توضع في سياقها الصحيح، والحرص على تجنب بعض التفاصيل التي لا فائدة منها".
وتبين أن من إيجابيات سرد التجارب للأبناء تمكنهم من تجاوز بعض المحطات الفاشلة، خاصة عند الحديث عن حصيلة مواقف وأخطاء سابقة، كما أنها توطد علاقة الآباء بأبنائهم وتحفظ الحقوق وتزيد من رصيد الأبناء بالعلاقات الاجتماعية، وشحذ هممهم ودفعهم نحو الأمام.
أما السلبيات فإنها قد تؤدي إلى زرع الكراهية في نفوس الأبناء بتوريثهم خلافات قد حدثت مع الآباء، والأسلوب السيئ في السرد قد يسبب الإحباط.
وتلفت السعايدة إلى أن الحديث عن التجارب غير مرتبط بمرحلة عمرية معينة للأبناء، بل الأمر مرهون بالاختيار المناسب من الآباء وتبسيط المعلومات بما يناسب الأبناء، ففي المرحلة الأولى يمكن أن يركز الآباء على ثقل الشخصية واكتساب السلوكيات، والثانية تزويده بالمهارات، ومرحلة الشباب تتركز على التجارب التي تتعلق بالأفكار والمشاعر.
وتتابع حديثها: "هذا الأسلوب في التربية يزيد من ثقة الطفل بنفسه، بدلًا من حالة الخوف من الفشل، وتسمح لهم باكتشاف الحياة، وتعلمهم بأن الإنسان يخطئ ويصيب ولكن عليه أن يتعلم من أخطائه التي يقع بها".