الرفاتي: أحدثت هزة سياسية في (إسرائيل) وأهانت قادتها.
الصواف: العملية وقعت بعد دخول حماس الحكم.
حسونة: مهدت لقواعد اشتباك جديدة وتنفيذ عدة عمليات أسر خلال 2014.
أفاقت قيادة الاحتلال السياسية والعسكرية على وقع صدمة لا تزال أصداء تداعياتها تتردد منذ 25 يونيو/ حزيران 2006 حتى اليوم، وتحديدًا عندما نفذ مقاومون من كتائب الشهيد عز الدين القسام وجيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين، عملية هجومية نوعية أطلق عليها اسم "الوهم المتبدد" استهدفت موقع الإسناد والحماية التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي شرق مدينة رفح.
بدأت العملية، في تمام الساعة 05:15 بقصف تمهيدي وإشغال لحامية حاجزي "صوفا" و"كرم أبو سالم" الإسرائيليَّين بمدفعية الهاون، ثم بدأ التنفيذ الفعلي عبر التسلل للموقع من خلال نفق أرضي والتمركز خلف "خطوط العدو"، والانقسام إلى عدة مجموعات.
كلّفت كل مجموعة بضرب أهداف محددة، ففجرت الأولى دبابة "الميركافاة" التي كانت تقوم بأعمال الحماية والإسناد في الموقع، ما أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها وإصابة آخر، ووقوع جندي على قيد الحياة في قبضة المقاومين.
أما المجموعة الثانية فدمرت ناقلة جند وقتلت جميع طاقمها، لكن الاحتلال -كما جرت العادة- حاول التكتم على خسائره وتقليلها، حينما ادعى أن "الناقلة" موجودة في الموقع لغرض التمويه.
ودمّرت المجموعة الثالثة، الموقع العسكري الاستخباري "البرج الأحمر" جزئيًّا، قبل أن تشتبك مع جنود الاحتلال الذين يعتلون الموقع، واستشهد خلال الاشتباك المجاهدان حامد الرنتيسي ومحمد فروانة، وبعد تنفيذ العملية بإتقان شديد، انسحب المقاومون الذين اقتحموا الموقع وعادوا إلى قواعدهم بصيدٍ ثمين، أحيا الأمل بالحرية للأسرى في سجون الاحتلال.
عملية نوعية
وقال المختص في شؤون المقاومة محمد حسونة: إن عملية "الوهم المتبدد" من أكثر العمليات النوعية تأثيرًا على طبيعة المواجهة بين المقاومة والاحتلال؛ كون المقاومة نفذتها في أكثر المواقع العسكرية تحصينًا من جهة، ومن جهة أخرى لاعتبارات سياسية مفصلية متعلقة بقدرة المقاومة على الجمع بين الحكم والمقاومة.
وأضاف حسونة لصحيفة "فلسطين"، أن عملية "الوهم المتبدد" أحدثت علامة فارقة في الصراع الاستخباري بين المقاومة والاحتلال، الأمر الذي انعكس إيجابيًا على نجاح العملية وتحقيق غالبية أهدافها، فنجحت المقاومة في تضليل استخبارات الاحتلال على مدار شهور من الإعداد والتدريب لهذه العملية.
وأشار إلى أنه على الرغم من تقنيات التكنولوجيا الاستخبارية المتقدمة والترسانة التجسسية القوية، إلا أن الاحتلال تكبّد فشلًا استخباريًّا محققًا نتيجة عدم القدرة على كشف نفق العملية وإجراءات الاستطلاع والرصد المسبق، فضلًا عن عدم فهم نوايا المقاومة وتقدير إمكانية تنفيذها لعمليات أسر في ذلك الوقت.
ودفعت عملية "الوهم المتبدد" -بحسب حسونة- المقاومة إلى إعادة النظر في طبيعة المواجهة مع الاحتلال، خاصة فيما يتعلق بقضية تحرير الأسرى من سجون الاحتلال، إذ إن العملية كانت اختبارًا لقدرة الاحتلال وسقف رده على عمليات نوعية كـ"الوهم المتبدد"، الأمر الذي ترتب عليه صوغ قواعد اشتباك جديدة، كانت سببًا في الحرص على تنفيذ عدة عمليات أسر عام ٢٠١٤م، لعل أبرزها عمليتي أسر الجنديين شاؤول أرون وهدار جولدن.
بمعنى آخر، والقول لحسونة: إن عملية "الوهم المتبدد" نجحت في إعداد مقاتلي المقاومة معنويًّا وبدنيًّا لعمليات الأسر، من خلال دراسة العملية ومعرفة إجراءاتها وكيفية التعامل مع نقاط ضعف الاحتلال وحتى نقاط القوة لديه.
وفي إطار الحديث عن عملية "الوهم المتبدد"، أكد أنه لا يمكن إغفال أهم مراحلها، وهي: مرحلة الاحتفاظ بالجندي الأسير والتفاوض على صفقة التبادل طوال 5 سنوات وصولًا لصفقة التبادل، التي تحرر بموجبها أكثر من 1000 أسير وأسيرة.
حكومة مقاومة
وأشار الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، إلى أن عملية "الوهم المتبدد" وقعت بعد فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي عام 2006، وتشكيل حكومة فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية.
وأوضح الصواف لصحيفة "فلسطين"، أن العملية أثبتت أن حكومة حماس "حكومة مقاومة".
وذكر أن أهم المكاسب التي حققتها حماس هو التأكيد بأن المقاومة هي الطريق، وحافظت بل وعملت على زيادة الاحتضان الشعبي لها بعد الانتخابات وزرعت الأمل في نفوس الأسرى وذويهم بأن تحريرهم قادم.
ولفت الصواف إلى أن المكسب الكبير من وراء العملية هو إتمام صفقة "وفاء الأحرار" والتي تم بموجبها إطلاق سراح الأسرى والأسيرات نصفهم من أصحاب الأحكام العالية "التي لم يأمل أي منهم ومن ذويهم بالخروج أحياء، فتحرروا وواصلوا الحياة وأصبحوا قادة".
خلافات إسرائيلية
وأسفرت عملية "الوهم المتبدد" عن مشاكل كبيرة بين قيادة أمن الاحتلال وجيشه ومستواه السياسي، فأدخلتهم في حالة من الحرج الشديد وأظهرت عدم قدرة الجيش على حماية جنوده، بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي.
وقال الرفاتي لصحيفة "فلسطين": إن "الوهم المتبدد" مثّلت تحديًا كبيرًا للاحتلال وفشله بالوصول إلى أي معلومات حول الجندي "جلعاد شاليط" ومثّل ذلك خيبة كبيرة للمستوى الأمني ومن خلفه العسكري والسياسي الإسرائيلي.
وأضاف: في النهاية اضطر الاحتلال إلى الاستجابة لمطالب المقاومة، فتسبب ذلك بهزة سياسية لا تقل عن الغضب الإسرائيلي الذي تبع عملية تبادل الأسر في ثمانينيات القرن الماضي عندما نفذت حكومة الاحتلال صفقة تبادل مع الجبهة الشعبية-القيادة العامة وأطلق عليها صفقة تبادل "الجليل" وشعر الاحتلال بالإهانة بسبب عملية التبادل.
وجزم أن أثر العملية وصفقة التبادل لا تزال متواصلة ومؤثرة على الاحتلال وخاصة عند الحديث عن صفقة التبادل التي بموجبها تم الإفراج عن أسرى فلسطينيين تصنفهم دولة الاحتلال بـ"الخطيرين" أو أي مشكلة أمنية يقع فيها الكيان وأجهزته فتنسبها للمحررين في الصفقة.
واعتبر الرفاتي ذلك "سببًا مباشرًا وحاجزًا نفسيًّا يمنع قيادة الاحتلال من الذهاب نحو صفقة جديدة".