لم تفلح كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي خلال العقود الماضية في دفع مواطني "خلة الضبع" الموجودة في "مسافر يطا" لترك أراضيهم، فلم يترك الاحتلال وسيلةً إلا وحاول من خلالها تهجيرهم، لكن دون جدوى، ليباغتهم في هذه المرة بقرار إزالةٍ لكل بيوت "الخلة" دفعة واحدة، دون أنْ يترك لهم سوى سويعات للتحرك قضائياً.
فلم يكن أمام أهل "الخلة" سوى إقامة خيمة اعتصام يرابطون فيها هم وأهالي القرى المجاورة في مسافر يطا تحسباً لإقدام الاحتلال على تنفيذ أمر الهدم الذي من المتوقع أن يكون الاثنين القادم "كحد أقصى"، كما يبين المواطن جابر الدبابسة لـ"فلسطين".
فمنذ عام 2013 وأهالي "الخلة" يخوضون صراعاً قانونياً في محاكم الاحتلال الإسرائيلي دون نتيجة تذكر سوى "إضاعة الوقت"، "تأتينا إخطارات هدم نرد بالتماسات للمحكمة تبقى القضية تدور في أروقة قضاء الاحتلال دون حل وهكذا دواليك".
تهجير وتخريب
ثم يترك الاحتلال تلك الملفات في أروقة المحاكم ويخرج للأهالي بذرائع أخرى لدفعهم لترك أراضيهم كـ"تدريبات عسكرية" والهدم اليومي لبعض المنشآت والبيوت، "ولا يتوهم القارئ بكلمة بيوت فيتصور أنها بيوت بمعنى الكلمة، بيوتنا هنا مبنية من الصفيح، وبعضها من الطوب القديم، فمحرمٌ علينا تطويرها بقرار من الاحتلال أيضًا!".
ويضيف الدبابسة: "تحملنا ونتحمل كل الظروف الصعبة في سبيل الحفاظ على أرضنا التي ورثناها أباً عن جد، ولكن هذه المرة أخطروا بإزالة كل شيء حتى حظائر الأغنام!".
ومع أنّ الأمر الأخير بالهدم يمهل السكان 72 ساعة فقط لكن ذلك لا يجعل بمقدورهم التنبؤ تحديداً باللحظة التي قد يقدم فيها الاحتلال على هدم بيوتهم، يقول الدبابسة:" فأنا مثلًا تسلمتُ إخطاراً بهدم بيتي في 2016م نفذوه العام الماضي ثم هدموه أربع مرات أخرى حتى هذه اللحظة!".
ولا يكتفي الاحتلال بحرمان الخلة وغيرها من مناطق "مسافر يطا" من الخدمات، بل يتعمد في كل مرة يهاجمها فيها تخريب الخلايا الشمسية وخطوط المياه، "يفعلون كل شيء ليدفعونا لترك أرضنا لكننا لن نرحل منها مهما فعلوا".
في حين يبين المواطن محمد ربعي أن "خلة الضبع" تبلغ مساحة أراضيها 4500 دونم، ويسكنها 110 من المواطنين موزعين على عشرين عائلة أن الخلة إحدى القرى الثمانية التي رفض الاحتلال التماساً من سكانها يطالب بعدم ترحيلهم من أراضيهم.
وعطفاً على حديث "الدبابسة"، يؤكد ربعي يؤكد أن الاحتلال لم يترك طريقة إلا وسلكها في سبيل تهجير أهالي الخلة، فمخطط التهجير قديم حديث، "كل ما يحدث مؤخراً هو ابتداع لأساليب جديدة لتهجيرنا، تُضاف لحرماننا من البنية التحتية".
ويشير إلى أن قرار الهدم الأخير سبقه قرار إسرائيلي بإخلاء "الخلة" لمدة ثلاث ساعات لإجراء تدريب عسكري بالأسلحة الخفيفة، الأمر الذي رفضه أهلها جملة وتفصيلاً ليُفاجَؤوا بقرار الهدم يوم الخميس الفائت.
ويقول ربعي: "تعمدوا اختيار الخميس، إذ إن المؤسسات الرسمية إجازة يومي الجمعة والسبت، كي لا يكون لدينا وقت للاعتراض، لكننا راسلنا المحكمة إلكترونياً".
ولأن أهالي الخلة لا يضمنون غدر قوات الاحتلال فقد قرروا الاعتصام بشكل دائم في المكان خشية أن تباغتهم جرافات الاحتلال وتهدم بيوتهم، "فالهدم ليس بالأمر الجديد علينا، فقد هدموا قرابة ست منشآت خلال الفترة الأخيرة، ولكن هذه المرة القرار يشمل الهدم الجماعي".
ويعتقد ربعي أنه إذا تمكن الاحتلال من هدم "خلة الضبع" فإن ذلك مقدمة لهدم بقية التجمعات السكانية في "مسافر يطا"، "بعد أن أثار قرار الهدم لثمانية تجمعات حفيظة العالم، عمد الاحتلال لتجزئة الأمر بأنْ يهدموا تجمعاً ثم آخر، وبذلك يتمكنون من إخلاء مسافر يطا دون إثارة الرأي العام العالمي".
"نعيش بلا مقومات"
ويتابع:" لقد يئسوا من إمكانية أن يقوم الأهالي بالرحيل، لذلك فهم يريدون هدم بيوتهم لكي يجبروهم على ترك أراضيهم، كل ما يريدونه هو الأرض خالية من أهلها الأصليين، ليزرعوا فيها مستوطنين، هم ينفذون "صفقة القرن" على الأرض دون ضجة إعلامية".
ويضيف: "أهالي الخلة كغيرهم من مواطني مسافر يطا يعانون اعتداءات شبه يومية عليهم من قبل المستوطنين، من تدمير للأشجار وحرق للمحاصيل الزراعية، في حين يمنعهم الاحتلال من فلاحة أراضيهم وفرض الغرامات الباهظة عليهم واعتقال عددٍ منهم وإجراء تدريبات عسكرية في أراضيهم وهكذا".
فالاحتلال يسير في مسارات متوازية وإجراءات ممنهجة ضمن سياسة "التهجير الصامت" لأهالي الخلة، "وعلى رأس تلك الإجراءات أن السكان لا يوجد لديهم أي مقومات لحياة طبيعية.. لكننا سنسكن الكهوف إذا ما هدموا بيوتنا ولن نرحل عن أرضنا".