فلسطين أون لاين

خلال مؤتمر نظمته "شؤون المرأة" بغزة

باحثون يدعون لصياغة فكر تنموي فلسطيني قائم على مشاركة واسعة للمرأة

...
جانب من مؤتمر وزارة شؤون المرأة بغزة (تصوير: ياسر فتحي)
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:
  • هارون: تحقيق التنمية المستدامة يتطلب تمكين المرأة الفلسطينية
  • الشيخ خليل: ضرورة صياغة مفهوم تنموي فلسطيني نابع من ديننا وواقعنا

دعا باحثون وأكاديميون كل أطياف الشعب الفلسطيني الفكرية والسياسية والاقتصادية إلى صياغة فكر تنموي شامل، يُفسح مجالًا واسعًا للمرأة، وإحداث توازن في تشخيص واقع المرأة بين المؤشرات الرقمية الخاصة وبين التحليلات النوعية.

ودعوا خلال مؤتمر نظمته أمس وزارة شؤون المرأة بغزة، بالشراكة مع مؤسسة أحباء غزة- ماليزيا، بعنوان مؤتمر (المرأة الفلسطينية ورؤى التنمية المستدامة- رؤية نقدية) إلى تطوير المؤشرات الخاصة بتحسين أوضاع النساء بحيث تكون أكثر قدرة على قياس الواقع، وأكثر كفاءة في تقديم مقترحات التطوير وسياسات التدخل.

حضور تاريخي

وكيل وزارة شؤون المرأة أميرة هارون أكدت أن الوزارة تواصل السعي النهوض بالمرأة الفلسطينية وتعزيز حضورها التاريخي الذي مثّل دائمًا رمزًا للصمود، معتبرة أن هذا الحضور هو ما سيمكّن المجتمع الفلسطيني من مجابهة الاندفاع المحموم للمال الأجنبي الذي له تأثيرات سلبية على المجتمع الفلسطيني عامة والمرأة خاصة".

ولفتت إلى أن المؤتمر يأتي إدراكًا من الوزارة بأن فلسطين جزء مهم من الصراعات المتتابعة على الصعيديْن الإقليمي والدولي، واستكمالًا لما تقوم به الوزارة من إعادة بناء تصورات الناس حول قضايا المرأة من منطلق حضاري إسلامي.

واعتبرت أن تجسيد شعار التنمية أياً كان لا يمكن تحقيقه دون تمكين شعبنا نساء ورجالاً من حقه في تقرير مصيره ومنطلقاته وأولوياته الوطنية، "فالمؤتمر يهدف للتأكيد على أدوار المرأة التنموية والتحررية ووجود المرأة الفاعل أمام تحديات الهوية والوطن".

وأضافت:" نمتلك نماذج فريدة من النساء تُوجب علينا الحفاظ على أهم مورد بشري وهو المرأة الفلسطينية، والارتقاء الحقيقي بواقعها، وإعادة تعريف الوعي الجمعي بخصوصها وتأسيس إستراتيجية وطنية تقود لتنمية تقود للانعتاق من كل أنواع الاحتلال".

تصادم مع المجتمع

من جانبها بينت الباحثة المصرية كاميليا حلمي طولون أن الأمم المتحدة أصدرت عددًا كبيرًا من المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل، والوثائق التي تفسر تلك الاتفاقيات.

وأشارت إلى أن تلك الوثائق لم تحقق الأهداف المرجوة منها؛ لكون المحتوى يتصادم مع ثقافة الشعوب، فأصدرت الأمم المتحدة وثيقة جديدة باسم "أهداف التنمية المستدامة" ومن ثم وثيقة 2030 للتنمية المستدامة عام 2015م التي من المفترض أن تطبق في كل دول العالم بلا استثناء.

ونبهت إلى أن تلك الوثيقة تحوي كل القضايا الشائكة المثارة سابقاً، وأخطر شيء فيها أن الخدمات الجنسية والإنجابية للجميع، بغض النظر عما كانوا متزوجين أم لا.

فيما بين رئيس قسم التاريخ والآثار بالجامعة الإسلامية د.نهاد الشيخ خليل أن مفهوم التنمية متغير ومتطور فلا توجد نظرية تصلح لكل زمان ومكان وشعب، والأصل أن يبني كل مجتمع مفهومه الخاص بالتنمية مستندًا لدينه وواقعه وأهدافه ومصالحه وتطلعاته المختلفة.

ونبه إلى أن هناك جدلًا في المجتمع الفلسطيني حول مفهوم التنمية فهناك من رأى أنه لا مجال لتنمية تحت الاحتلال، فيما طرح آخرون مبدأ التنمية التي تجعل الناس قادرين على حماية أنفسهم أمام الاحتلال، أما الفريق الثالث فطرح فكرة التنمية بالحماية الشعبية كما حدث في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م.

وأشار إلى أنه بمجيء السلطة الفلسطينية توقف بناء النموذج الفلسطيني في التنمية وتم تبني مشروع التنمية الذي جلبته المؤسسات الغربية القائم على ترسيخ "التسوية السياسية"، قائلاً:" التنمية التحررية تعني وصول الناس إلى الموارد وهو أمر صعب في وجود الاحتلال الإسرائيلي".

بدورها، بينت الباحثة د.نهى أبو العلا أن التنمية عملية تراكمية تسعى لتحرير الإنسان من حالة التبعية إلى التحرر، داعية لاستقاء أفكار التنمية من القرآن وتوجيهاته مع ضرورة تسليط الضوء على النماذج المشرقة للمرأة المسلمة.

فيما بينت الباحثة المهندسة غادة العابد أن الاحتلال الإسرائيلي أثر سلبيًّا على المرأة الفلسطينية وما زال يستهدفها حتى اليوم، مستدركة بالقول:" رغم ذلك أثبتت تلك المرأة الكفاءة في عدة ميادين".

وانتقدت المفاهيم الحالية للتنمية المتجردة من اعتبارات التحرر الوطني، والفكاك من الاحتلال، كمنظومة الأمم المتحدة وأهدافها للتنمية، مبينة تعذر النموذج التنموي في الأراضي الفلسطينية.

ودعت لإعادة تفعيل دور العائلة وصناعة جيل قادر على أن يؤدي رسالته على أرضه بالانعتاق من الاحتلال ونيل حريته، مؤكدة أن الثقافة أحد أبرز محددات صياغة الحاضر والمستقبل لأي أمة، وهو ما برعت النساء الفلسطينيات فيها، وفي التخصصات العلمية خاصة الاجتماعية منها، وريادة المجتمع سياسياً.

المقاومة الشعبية

من جانبها أوضحت المختصة في التاريخ إسلام حبوش أن التاريخ الفلسطيني المعاصر يضج بعشرات الخنساوات التي كان لهن دور بارز في النضال، على رأسهن أم نضال فرحات، التي كانت حاضنة للمجاهدين.

وأشارت إلى أن شخصية أم نضال تأثرت بعدة عوامل هي النكبة واللجوء والثقافة الإسلامية، ما دفعها لتربي أبناءها على النهج الإسلامي الصحيح وربطهم بحلقات العلم والذكر، فجمدت عاطفة الأمومة لصالح الدين والوطن.

ونبهت حبوش إلى أن أم نضال حولت بيتها لغرفة عمليات عسكرية وسخرت كل إمكانيات بيتها للمقاومة، فكانت تؤوي الشباب المطاردين، خاصة الشهيد عماد عقل، ووفرت الدعم اللوجستي لهم فكان التخطيط للعمليات العسكرية والانطلاق من بيتها.

وأضافت:" حتى أنها أرسلت أحد أبنائها "محمد" لينفذ عملية استشهادية ثم استشهد ابنها "صانع الصواريخ" "نضال" ثم ابنها الثالث "رواد" ، وكانت تقول:" أنا قدمتُ أبنائي راضية مختارة للشهادة"".

أما المحاضرة الأكاديمية في التاريخ إيمان أبو خضورة فأشارت إلى دور النساء المقدسيات البارز في نقل ما يجري داخل المدينة المقدسة خاصة بين عامَي 2000 و2022م، فقد أثبتت تلك المرأة قدرتها على مجابهة قرارات الاحتلال بحق القدس.

وأَضافت:" أثبتت المرأة المقدسية دورها في المقاومة السلمية الشعبية، وقامت بعدة أدوار للدفاع عن القدس منها الدور التربوي والتعليمي وإنشاء جيل مرتبط بالمدينة المحتلة، ولها دور كبير في تقديم الدعم اللوجستي للمرابطين في المسجد الأقصى لتعزيز صمودهم".

فيما بينت الباحثة نسرين عدوان أن المشاريع الاستثمارية هي أحد الأركان الأساسية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدة دور المرأة المهم في المشاريع الاقتصادية الداعمة لعملية التنمية للمجتمع بشكل عام والتي تعد مؤشراً على تعزيز مشاركة المرأة من خلال تمكينها من الحصول على حقوقها ومصالحها.

وقالت:" المشاريع النسائية المعتمدة داخل قطاع غزة هي الصغيرة والمتناهية الصغر، التي لا يوجد دراسات توضح مدى أثرها على تنمية الدخل المحلي ما يبين أهمية امتلاك النساء لمشاريع تجارية متوسطة وكبيرة".

وبينت وجود عقبات أمام المشاريع النسائية هي صعوبة الحصول على الدعم المطلوب وأن القيمة المالية المقدمة من المؤسسات المانحة تكون عادةً أقل من قيمة المشروع، ما دفع بعض النساء للتخلي عن مشاريعهن الريادية لعدم الربحية وتكبد الخسائر.

أما الباحثة د. مرفت النجار فأكدت وجود علاقة ارتباط موجبة ذات دلالة إحصائية بين التمكين الاقتصادي والتنمية المستدامة والكفاءة الإنتاجية والتنمية لدى المرأة الفلسطينية.

دور ريادي

ولفتت إلى أن الفلسطينية تختلف عن المرأة في بقية الدول بسبب الظروف والبيئة التي جعلت الفرص لتحقيق التمكين معدومة ولكن بالرغم من ذلك إلا أنها حققت التمكين الاقتصادي وطورت قدرتها وحققت أعلى معدلات إنتاجية.

من ناحيتها، أوضحت الباحثة سمية أبو حية أن الفرص الوظيفية التي تقدمها الحكومة الفلسطينية للشباب لا تستوعب كل الخبرات ما يبين أهمية ريادة الأعمال لجيل الشابات لتمكينهن اقتصادياً.

وقالت:" حصول أغلب رياديات الأعمال على تدريب من الحاضنات التدريبية مكنهن من الفوز بالدعم لمشاريعهن، فيما بدأ المجتمع الغزي يعترف برائدات الأعمال ويدعمهن خلال الخمس سنوات الأخيرة".

بدورها، اعتبرت الباحثة د.أمل الشوبكي أن تجربة العمل في الجمعيات والمراكز النسائية في فلسطين مثال ساطع على قدرات المرأة وإمكانياتها على إحداث التغيير في العملية التنموية بشكل عام والتقليل من الأضرار الناتجة عن حالة التراجع في مجالات الحياة بشكل خاص.

وقالت:" تواجه الجمعيات النسائية تحديات كبيرة من أهمها ضعف القدرات المالية وعدم استغلال الكوادر النسائية الموجودة فيها بالشكل المطلوب".

من جانبها، بينت الباحثة القانونية شادية القصاص أن القيادة في المؤسسات المختلفة ما زال يهيمن عليها الذكور، فنسبة إشغال المرأة الفلسطينية للمواقع القيادية ما زالت ضعيفة، لقصور التشريعات الوطنية والمعوقات المتعلقة بالبيئة الثقافية والاجتماعية.

وطالبت بضرورة إعادة نظر المجتمع في مؤسساته وزيادة فعالية المرأة، وعقد برامج تدريبية لتنمية المهارات الإدارية والقيادية للمرأة، وتعديل قانون الانتخابات العامة بما يتناسب مع زيادة فرص المرأة.

في حين أشارت منسقة وحدة الأبحاث في مؤسسة "الثريا للإعلام" نهال الجعيدي إلى أن المرأة الفلسطينية حُرمت منذ 2006م من المشاركة في الانتخابات، كما أن عدداً محدوداً من النساء تولين مناصب وزارية وغيرها من المناصب السيادية.

وقالت: " رغم مشاركة النساء المبكرة في الحياة السياسية إلا أنها بقيت بعيدة عن مراكز صنع القرار، لتبقى مشاركتها في المؤسسات غير الحكومية هي الأوسع فهي قد أعطتها الفرصة لإثبات وضعها في المجتمع".