فلسطين أون لاين

الحركة الطلابية

تمر الحركة الطلابية في الساحة الفلسطينية بمراحل مهمة ومنعطف يعيد تشكيل علاقتها بالمجتمع وبذاتها ومرجعياتها، فباتت المساحة المهمة التي يراها المجتمع ملاذا لترتيب الأوراق أو لإيصال الرسائل أو المطالب غير المباشرة والرغبة الشعبية من المشهد السياسي.

في الجامعات الفلسطينية مرت الحركة الطلابية بظروف متعددة؛ بينها الخمول والنشاط والضربات والحالة الثورية والصراعات السياسية والنقابية وبعضها ملفات جدلية.

وتعزز مشهد الحركة الطلابية بعد اتفاقية أوسلو مطلع التسعينيات؛ حيث أن الاتفاقية أفرزت معارضة وموالاة وبات العبء على الطلبة كبيرا بين من يفند ويجرم عملية السلام التي أطلقها العربي بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ وبين من وجد نفسه فجأة مطالبا بالدفاع عن ملف فيه قلب للمعايير رأسا على عقب من ثورية الخطاب إلى سلمية الوفاق.

هناك باتت ملفات زخمة انعكست على واقع الطلبة والجامعات، واندرج تحتها كل ما هو حزبي أو فصائلي بين مؤيد ومعارض امتد للنقابات والاتحادات وحتى وصل الأمر إلى مجالس العشائر والبلديات وغيرها.

وبعد سنوات طويلة من هذا السجال وفي خضمه أخذت الحركة الطلابية على عاتقها التنظير السياسي من جهة وتفعيل المقاومة والانخراط فيها من جهة أخرى، فتركز الفعل المقاوم والعمليات النوعية ضمن خلايا شكلتها الأطر الطلابية في الجامعات، وبرزت حالة التنافس بينها، فكانت تسمى بعض الجامعات قلعة الشهداء أو باسم أحد قادتها الشهداء وغيرها من المسميات التي تدلل على حجم العمل العسكري النضالي فيها، فكانت رمزية جامعة بيرزيت مرتبطة مثلا بالمهندس يحيى عياش الذي وضع البصمة المركزية في تحولات المواجهة مع الاحتلال، وغير ذلك من التشكيلات والإسناد الجماهيري والتفعيل المعنوي الذي لعبته الحركة الطلابية جيداً.

تنوعت نشاطاتها بين مسيرات على خطوط المواجهة والتشكيلات العسكرية والخلايا والعمليات النوعية ومهرجانات التأبين للشهداء، وأخرى لإحياء يوم الأرض وفلسطين الهوية والمحاضرات والندوات والوقوف لجانب المقهورين في العالم وتعزيز مقاطعة الاحتلال والتطبيع والتنسيق الأمني.

نعم ملفات كبيرة ومتشعبة وزخمة باتت على عاتق الحركة الطلابية ليضاف لها مؤخرا حالة الاستهداف الأمني والخطة الممنهجة لتفكيكها، والتي جاءت نتيجةً استخلصها الاحتلال ودوائر الأمن الدولية بأنه من أهم أولوياتهم لجم وتحجيم وإشغال الحركة الطلابية في ملفات جانبية محتواها دفاعية واستنزاف لها لتحارب لمجرد البقاء لا الانخراط أو التأثير.

وكعادتها ومن جديد أعادت الحركة الطلابية التقولب مع المشهد رغم ما يحيط بها من منهجية الإقصاء والتحجيم، وكذا المجتمع ومشاكله التي زادت وعبء الفراغ السياسي وتشرذم الحالة الوطنية والاصطفاف والتبعية والتخوين والتكفير والتشويش السياسي والأمني، وخمول وتفكك للجبهة الداخلية وزيادة الفلتان الأمني، وانهدام جسور الثقة أصلا بين الفصائل وقواعدها وبينها وبين الشعب وعامته، وحالة السيطرة والضغط الكبير على مراكز صنع القرار في الجامعات، كلها تظهر صورة المشهد الذي عليه حالة الحركة الطلابية التي ومن الواضح أنها باتت تقاتل على كل الجبهات وزاد العبء عليها وباتت مطالبة بتطوير خارق .

والآن جاءت أخبار التطوير والتقولب في جامعة النجاح التي باتت بعد عقد ونصف من الضغط والتضييق تقول لا لكل ما هو منهجي في وجه نشاطها، وتسجل رغم كل ما ذكرناه سطرا جديدا بدماء وحرية طلبتها في كسر معادلة الظلم والتحجيم، ناهضة بمجدها الذي كان وما زال يرعب الاحتلال ويجعل حساباته متداخلة.

قبلها في بيرزيت حيث قررت الحركة الطلابية بأنها منبر مقاومة ومن يتعدى خطوطه الحمراء سيطرد وتتم إقالته، وبالفعل عززت الحركة الطلابية المسار.

من جامعة لأخرى تختلف معايير الحركة الطلابية وظروفها؛ ففي بيرزيت جو ديمقراطي وتقليد سنوي اسمه انتخابات مجلس الطلبة شاركت في الحفاظ عليه الحركة الطلابية وإدارة الجامعة كون حالتها مختلفة كليا عن الجامعات الأخرى التي تحكمها عشائرية تارة وقبضة أمنية تارة أخرى وظروف جغرافية أو مجتمعية تارة ثالثة.

غير أن مشهد النجاح وقبلها بيرزيت أرسل رسائل علها وصلت للاحتلال قبل الجميع؛ أن مقاومة طلابية بكل معاييرها تقوى وتتعزز، وأن ثقافة الوحدة الوطنية ولجم من يعربد ويستقوي باتت هي عنوان المشهد، وأن هذا يقود إلى أن تغيرا واضحا سيكون في الجامعات كلها بل وسيلغي ما بنته منظومة أمن الاحتلال وخططت له على مدار سنوات.

الحركة الطلابية سجلت في ٢٠٢٢ انتصارا مهما في علاج مشاكلها ونموذجا سينسحب على جامعات أكثر تحكما وتغولا وتجاهلا لحقوق الطلبة الوطنية والنقابية، كما أنها كانت رادعا لذراع الأمن من التدخل بشكل مباشر وغير مباشر، بالإضافة لتعزيزها روح تداول السلطة والقيادة بهدوء وقرار جماهيري بصندوق اقتراع من أجل نزاهته استنزف وقت وجهد الطلبة .

اليوم الحركة الطلابية تقوى أكثر ولعل من أبرز روافد دعمها المعنوي هو صمود المقاومة وسيفها الذي كان درعا للشعب والأقصى بالتزامن مع انسداد الأفق السياسي وتجاهل الدول العربية للقضية الفلسطينية وممارسات الاحتلال المتصاعدة، كلها بواعث كي تكون الحركة الطلابية رأس حربة وسيفا يحمله قادتها وحتى الشارع الذي يحلم بأن تكون كل فلسطين بذات المعنوية والبناء.