فلسطين أون لاين

​عدم تدخل المسلم فيما لا يعنيه "تحصينٌ مجتمعي"

...
غزة - هدى الدلو

في الوقت الذي أصبحنا نجد فيه تدخل بعض الناس في كل شاردة وواردة، وكل صغيرة وكبيرة فيما لا يعنيها، رغم أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، والسؤال: ما السبب في جعله من حسن إسلام المرء؟ لكن ماذا لو رأى المسلم شيئًا سلبيًا، هل يجب عليه التدخل؟ هذا ما نتحدث عنه فيه السياق التالي:

يقول العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا إلى تحصين مجتمعاتنا، ووجهنا لما فيه خير في الدنيا والآخرة في أكثر من حديثٍ ومناسبة، ومن التوجيهات النبوية التي تُعد من جوامع الكلم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

وأضاف: "هذا الحديث عظيم، وهو أصلٌ كبير في تأديب النفس وتهذيبها، وصيانتها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى فيه ولا نفع، وقال ابن القيم رحمه الله: وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: "من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه"، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمةٌ شافية في الورع".

وأوضح زمارة أن التَرك المقصود في هذا الحديث يشمل أمورًا كثيرة، منها ترك فضول النظر، لما في التطلع إلى متاع الدنيا من إفسادٍ للقلب، وإشغالٍ للبال، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "ولا تمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه"، أي: لا تمد عينيك معجبًا، ولا تكرر النظر مستحسنًا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابًا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها القوم الظالمون، ثم تذهب سريعًا، وتمضي جميعًا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة.

وأشار إلى أن الله قد امتدح عباده المؤمنين بقوله: "والذين هم عن اللغو معرضون"، فمن صان لسانه عن فضول القول، سَلِمَ من الوقوع فيما يغضب الله سبحانه، وقال حمزة الكناني رحمه الله: وحديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) هذا ثلث الإسلام وهو من جملة محاسن إسلام الإنسان، وكمال إيمانه تركه ما لا يُهمه من شؤون الدنيا، سواء من قول أو فعل.

وبين زمارة أن هذا الأمر العظيم كان من شيم المسلمين الذين حسن إسلامهم وازدانت أخلاقهم، لأن صاحبه ارتقى إلى منزلة علية ونأى بنفسه عن أمرٍ وقع فيه أكثر الناس، وطهر نفسه من خلقٍ بغيض هو سببٌ في كثيرٍ من مشاكل الناس في اليوم الحاضر.

ونوه إلى أن هذا الأمر ليس على إطلاقه، فلربما رأى الإنسان من أخيه ما يضره أو يعود بالضرر على مجتمعه هنا يجب عليه أن ينصحه ويقوّمه وفق أدب النصيحة، وعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا, قالوا: كيف ننصره ظالمًا؟ قال تمنعه من ظلمه".

ولفت زمارة إلى أن هذا لا يعد من باب التدخل في شؤون الآخرين أو في ما لا يخص المسلم، فالمسلم مطالب بنصح إخوانه وتوجيههم وحثهم على الصواب، ولكن الشرط بالقدر الذي يتحمله "المنصوح" لأن ذلك يدخل ضمن دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.