فلسطين أون لاين

المثلية فقاعة في فنجان الرذيلة

بينما هذا الأمر أريد له الإشاعة والحديث فيه كي يتحوّل من شاذّ مستنكر يلفظه الشعب الفلسطيني ويرفضه بسرعة وقوّة إلى أمر خاضع للنقاش، وقد أظهر ذلك الحديث الطويل في مواقع العالم الافتراضي في الردّ والردّ على من تصدوا لمن أرادوا أن يُشيعوا الأمر، وكأن الأمر قد بات زوبعة في فنجان، في حين أن الأمر أقلّ وأتفه من أن يصل إلى زوبعة، بل هو لا يكاد يكون مجرّد فقاعة أراد لها البعض أن تتحوّل إلى زوبعة. وبالتالي يجري الحديث عن أمر قد يصبح ظاهرة المطلوب أن يعترف بوجودها الشعب الفلسطيني ويتحتّم عليه التعامل معها بشكل من الأشكال. وهذه تأتي من باب الصدمة التي تليها ارتدادات تهيئ الأجواء كي يصبح الأمر غير صادم وغير مفاجئ. يقبله البعض ويرفضه البعض الآخر في المجتمع الفلسطيني، ويتحوّل إلى أمر قابل للنقاش والأخذ والرد فيه كبقية الأمور التي يختلف عليها الناس.

وقد يقول البعض: بما أن الأمر قد شاع في الغرب ودول كثيرة (وبالمناسبة منها دولة الاحتلال) وأن من معطيات الثقافة العالمية المبنية على الحريات إلى أبعد حدودها إطلاق العنان لحرية الفرد ولو وصل إلى أن يتصرّف بجسده كما يحلو له، فلمَ لا نناقش الأمر على قاعدة هذه الحريّات الشخصية من غير تحديدها بأخلاق أو دين أو ثقافة محليّة أو أحكام وأعراف مسبقة؟ فالأمر عالمي والعولمة تنتشر بحمل كل ما فيها، غثّها وسمينها لكل المجتمعات البشرية. 

لا بدّ هنا من التأكيد أن لكل هوية ثقافية ثوابت لا تقبل النقاش والبحث أبدا، فمثلا لا يمكن اعتبار الاحتلال في يوم من الأيام أمرا طيبا، وأن يتحوّل من شرّ إلى خير في ثقافة شعب يعاني الويلات من الاحتلال. قيم الحرية والعدل والصلاح ومحاربة الفساد والمحسوبية والعنصرية والظلم لا يمكن أن تتحوّل إلى أمور قابلة للنقاش، يعني لو طلع علينا بعض الناس وقالوا: لمَ لا نناقض موضوع العنصرية ونخرج ما فيها من فوائد ومنافع للناس؟ العنصرية ظاهرة يجب أن نناقشها ولا مانع من وجود من يؤيدها ومن يعارضها، فالمسألة خلافية وتحتمل تعدد وجهات النظر، وقد يخرج علينا من ينظّر للاحتلال والعمالة له، وقد تصبح الخيانة -كما توقّع في يوم من الأيام القائد الفلسطيني أبو إياد- وجهةَ نظر. 

من هذا القبيل يأتي هذا الشذوذ، ومن العجيب أنك إن استنكرت شذوذا في مجال ما قفز إليك البعض ليعترض عليك على أنك تركت الاعتراض على الشذوذ السياسي والوطني وجئت إلى هذا الشذوذ الجنسي. الهوية الثقافية الفلسطينية والعربية لها ثوابتها التي لا تحيد عنها، وهي تلفظ كل شذوذ وكلّ الشاذّين مهما كان نوعه أو لونه، خاصة ما أجمعت عليه الأديان والتقاليد والأعراف، وما أجمع عليه الناس إلا ما شذّ منهم وذهب بعيدا خلف صرعات وافدة ما لها عندنا من قرار.