تمسك فداء غيث الإطار الخشبي الذي صنعه زوجها في ورشة داخل بيتهما، وتبدأ بصب خليط إسمنتي أعدته مسبقًا ثم تركته يجف، قبل أن تدخل القماش والزجاج لتضع لمسات عصرية عليها، فتصنع منها المرايا، والطاولات وغيرها.

تركت غيث -من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية- الطباشير وتعليم اللغة الإنجليزية، وانتقلت لتحقيق حلمها في مشروعها "إطار وحجر" حيث تعيد تدوير الحجر، وتصنع منه أشكالًا متعددة تزين بها البيوت والحدائق.

في أحد الأيام كان زوجها وأخوه يصنعان أحجارًا من الإسمنت لتزيين حديقة بيت والدهما، ولكنهما تفاجآ بالنتيجة بأن حجم الحجر صغير ولا يصلح، فأخذت فداء الأحجار وأعادت تدويرها وصنعت منها مرآة، وزيّنت بها بيتها.

كل زائر لبيت فداء كان يُبهر، ويبدي إعجابه بالمرآة التي صنعتها، ويطلب منها أن تصنع لها مثلها، أُعجبت بالأمر واقترحت على زوجها الذي يعمل خياطًا، أن تعرض أعمالها على أصحاب المحلات في الخليل.

تقول فداء لـ"فلسطين": "بعض المحلات رفضت الأمر وقللت من أعمالنا، ولكني في النهاية وجدت صاحب محل يعود له الفضل في تشجيعي على الاستمرار في مشروعي، بعد أن طلب مني إنتاج كمية من المرايا".

حينها لم تتردد فداء ولا لحظة، استقالت من وظيفتها بعد حصولها على ترقية نائبة مديرة مدرسة، وترَك زوجها عمله في مصنع الخياطة، وحوَّلا غرفة من بيتهما إلى ورشة، هو تعلَّم كيفية صناعة الإطارات، والأشكال الخشبية، وهي تصنع خلطة الحجر، وتنفذ التصاميم التي نسجتها في مخيلتها.

وتضيف أنها بدأت رحلتها مع زوجها في مشروعهما الخاص في عام 2018، وبدآ في متابعة الفيديوهات عبر اليوتيوب عن كيفية صناعة الحجر وإعادة تدويره، ومع التجارب الكثيرة اكتسبا خبرة كبيرة مكّنتهم من الاستمرار في مشروعهما حتى اليوم.

في البداية صنعت فداء المرآة، ثم تطور الأمر إلى سلة بالحجر، وساعة، ومن ثم طاولة وأُصص، وبراويز، وأضفت على هذه المنتجات صبغات بألوان مبهجة جذابة.

ولكي يكون تصنيع الحجر أكثر سلاسة، عاونت زوجها بتصنيع قوالب السيلكون لصب الإسمنت فيها بالأشكال والأحجام التي تريدها.

تدير فداء اليوم مشروعها "إطار وحجر" من الألف إلى الياء، رغم المشقة، والتعب، والمجهود الكبير الذي يحتاج إليه إعادة تدوير الحجر، إلا أنها تجد المتعة الكبيرة فيه.

تشير إلى أنها حصلت على دورات في التسويق، وإدارة المشاريع لكي تكتسب خبرة في ريادة الأعمال، وباتت تسوِّق لمنتجاتها عبر صفحتها بفيس بوك، وتشارك أيضًا في المعارض، والمسابقات الدولية.

وعن الصعوبات التي تواجهها في مشروعها، تذكر أن أصحاب المحلات، وبعض الزبائن لا يقدّرون الجهد الذي بذلته في صناعة القطع بيدها دون آلات وبخامات ذات جودة عالية، ويبخسون في ثمنها، إضافة إلى أن بعضهم يقلدون تصاميمها بأقل جودة، وبأقل سعر.

ولدى سؤالها عن مغامرتها بترك وظيفتها المريحة كمعلمة، تجيب فداء: "لم أحب يومًا أن أكون في وظيفة روتينية، طالما حلمت منذ صغري بأن يكون لي مشروعي الخاص، وأن أكون قائدة نفسي".

وتردف: "ما ساعدني أن زوجي أيضًا تعب من عمله كخياط، ويحلم بالتغيير، فمنذ اللحظة الأولى شجعني على المشروع، وعلى الفور تعلم النجارة ليصنع الإطارات الخشبية لي".

ولم تكتفِ فداء بإعادة تدوير الحجر، بل دخلت في تصنيع القطع القماش، وإكسسوارات بدل الزفاف، وصدف البحر، والخشب أيضًا، وأعادت تدوير الزجاج الذي ينكسر في بيتها بإدخاله في تصاميم الحجر.

وتشعر فداء أنها ضيعت ست سنوات من عمرها في التعليم، ولم تشعر أنها أنجزت شيئًا لذاتها، بل طالما كرهت النمطية، وبحثت عن مشروع يكون لها بصمة فيه.

ووجهت رسالة لكل امرأة وكل أم وربة بيت بأن "العمر والأطفال ليسا عائقين أمام تحقيق ذاتك، لا تنسي نفسك وتعيشي لأطفالك فقط، بل اسعي أن يكون لك بصمة في المجتمع، وإذا كان لديك موهبة حاولي ولا تيأسي حتى تحققي حلمك بأن يكون لك مشروعك الخاص".