قال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، إن "القدس والمسجد الأقصى هي محور الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وسيف القدس شكلت نقلة نوعية في إدارة الصراع ونتائجها واضحة.
جاء ذلك في كلمة ألقاها هنية عبر الفيديو كونفرانس خلال المؤتمر العلمي الدولي المُحكَّم، الذي نظمته جامعة الأمة في مقرها بغزة، تحت عنوان: (السيادة الفلسطينية: "المتغيرات الإستراتيجية والمسارات المستقبلية").
وأكد هنية أن القضية الفلسطينية تعيش في فلسطين والمنطقة والعالم بشكل عام متغيرات مهمة ذات أبعاد متعددة، وأولى هذه المتغيرات تتمثل في "نتائج معركة سيف القدس والتي شكلت نقلة نوعية وتحول استراتيجي في إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ونتائجها واضحة جدًا على أكثر من صعيد وفي أكثر من بعد.
وأضاف: "سواء في إطار توحيد الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني وربط معادلة القوة التي تمثلها المقاومة في فلسطين مع القداسة التي تمثلها القدس والمسجد الأقصى المبارك واستعادة القضية الفلسطينية مكانتها الاعتبارية على صعيد الأمة وعلى صعيد الاهتمام العالمي جراء هذه المعركة".
واستطرد: "معركة سيف القدس سجلت فيها فصائل المقاومة وفي مقدمتها كتائب الشهيد عز الدين القسام أداءً راقيًا إبداعيًا وكشفت عن عناصر الضعف السياسي والأمني والعسكري الذي يعيشه الاحتلال الصهيوني بشكل أو بآخر".
وتابع: إن "القدس والمسجد الأقصى عادت من جديد تشكل العنوان الرئيس ومحور الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وهذا الموضوع له أهمية كبيرة على صعيد توحيد شعبنا الفلسطيني من جهة، وعلى صعيد طبيعة وأبعاد المعركة التي نديرها مع الاحتلال من جهة أخرى، وكذلك الأمر على صعيد توحيد الأمة خلف بيت المقدس بما يمثله من رمزية دينية وسياسية عميقة التأثير في وجدان هذه الأمة".
قطبية العالم
أما المتغير الثاني – يقول هنية- يتمثل في "الانكفاء الأمريكي عن المنطقة وشاهدنا ذلك في أكثر من ساحة ومحطة، وخاصة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان"، مستدركاً: "ولا شك بأن القوة الأمريكية المهيمنة والمسيطرة على العالم لم تعد بهذه القدرة على بسط نفوذها العسكري والأمني والسياسي على مناطق مختلفة من العالم بما فيها منطقتنا العربية والإسلامية".
وعدَّ ما وصفه بـ" الانكشاف الصهيوني" في معركة سيف القدس، و"الانكفاء الأمريكي" الذي نشاهده في سياق إعادة تموضع أمريكا واهتمامها بملفات جديدة كمواجهة الصين وروسيا -القوة الصاعدة في العالم- يشكل تغير مهماً، له تأثيرات وأبعاد استراتيجية مهمة يجب أن نقرأها قراءة دقيقة وواعية"
ويكمن المتغير الثالث، وفقاً لرأي هنية، في "الحرب التي تدور بين روسيا وأوكرانيا، والتي تبدو بين (روسيا ومعسكرها) و (الغرب بشكل عام بقيادة أمريكا)، ملفتاً إلى كونها "الحرب الأوسع والأبرز في صراع المعسكرات العالمية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية".
وقال: "من المؤكد أن العالم بعد هذه الحرب لن يكون هو ذاته قبلها، وأن حقبة القطب الواحد المتحكم في السياسات الدولية والعالمية ستنتهي..وهذا لا شك سيشكل متغيرًا مهماً جدا وله تأثيراته على منطقتنا العربية والإسلامية وعلى قضيتنا وعلى الصراع مع العدو الصهيوني".
أما المتغير الرابع فهو: "أن المنطقة العربية والإسلامية تموج بالتناقضات ما بين التطبيع ومحاولات الاختراق الإسرائيلي للمنطقة وبناء التحالفات العسكرية والأمنية مع بعض الحكومات والأنظمة العربية، وتخطى التطبيع إلى إدماج الكيان الصهيوني في المنطقة وإعادة تشكيل وترتيب المنطقة على وقع هذه التحالفات الجديدة ليكون الكيان الصهيوني جزءًا من هذه التركيبة".
واسترسل: "وبين صعود تيار المقاومة ونهوض روح المواجهة والممانعة السياسية في مواجهة السياسة الأمريكية الصهيونية وإعادة الاعتبار لقضية فلسطين على أكثر من صعيد وجبهة خاصة في ظل المواجهة المفتوحة التي يديرها الشعب الفلسطيني المرابط في الضفة الغربية والقدس وغزة والأراضي المحتلة منذ عام 1948م".
وأشار إلى أن جنين هي "واحة ومركز من مراكز المقاومة والصمود متآخية مع غزة على طريق تحرير القدس والأقصى والشعب الفلسطيني في الخارج الذي يعيد مجددا دورة المهم والاستراتيجي في مشروع التحرير والعودة".
وختم هذا المحور بالقول: "إن هذه المتغيرات الأربعة المهمة لابد لصناع القرار من رصدها والتعامل معها ونتائجها لبناء الرؤية الاستراتيجية المستقبلية".
تراكم القوة
أما المحور الثاني من حديث هنية، تطرف فيه إلى الأولويات الاستراتيجية في ظل المتغيرات السابقة، قائلاً: "لابد أن ترتكز على عدة أبعاد، الأول: أن المقاومة الفلسطينية التي تتميز بالصلابة والقوة وتراكم القوى وتتميز بالرشد وبالقدرة على استيعاب طبيعة المعركة واحتياجاتها
المقاومة في غزة تشكل الرصيد الاستراتيجي لمشروع المقاومة والقبة الفولاذية التي تمثل الحماية للقدس والضفة والأسرى والأراضي المحتلة منذ عام 1948م".
ونبه إلى أن المقاومة في الضفة تمثل ساحة المواجهة التي تتصاعد فيها العمليات وتعود فيها مجددا روح المقاومة والانتفاضة، وهي ساحة الصراع الرئيس مع العدو الصهيوني بحكم وجود القدس والاستيطان والصراع الديني".
وجدد تأكيده على أن "الضفة لن تعود للوراء ولن تهدأ إلا بتحريرها والقدس وذلك على طريق تحرير كل أرض فلسطين"، عارجاً إلى دور فلسطينيي الداخل المحتل والشعب الفلسطيني في مشروع المقاومة.
وقال: "إن المقاومة على رأس الأولويات الإستراتيجية بالاحتضان والرعاية والعناية والدعم والإسناد من شعبنا وكل أحرار العالم".
تحالفات إستراتيجية
والأولوية الثانية – وفق الاستراتيجيات التي حددها هنية في خطابه- تكمن في "بناء تحالفات إستراتيجية لمواجهة المعسكرات التي تتشكل اليوم وترتكز على مفاهيم دين جديد ومفاهيم سياسية مغلوطة ومعتقدات فكرية تتناقض مع الفكر القويم لهذه الأمة"
وأضاف: "إن الشجاعة والجرأة في إعادة بناء تحالفاتنا الاستراتيجي التي ترتكز على استراتيجية الانفتاح على كل من يسعى لدعم المقاومة ورفض التطبيع ورفض دمج الكيان الصهيوني في المنطقة ودعم الشعب الفلسطيني وإسناده والعمل على تحرير المسجد الأقصى من براثن الاحتلال".
أما الأولوية الثالثة، فيرى هنية أنها تكمن في "الانطلاق بشعوب الأمة العربية والإسلامية من استراتيجية الدعم والإسناد لشعبنا وقضيتنا ومقاومتنا وهي استراتيجية أدت دورها جيدًا خلال العقود الماضية".
وواصل حديثه قائلاً: "الآن ننقلهم إلى استراتيجية الشراكة من أجل تحرير أرض فلسطين وبيت المقدس، كما أن هناك مشاريع تتوحد فيما بينها نحن بحاجة إلى أن الأمة من جديد تبني استراتيجية الشراكة والانخراط المباشر في مقتضيات ومساحات ومتطلبات إنجاز تحرير بيت المقدس ودحر الغزاة المحتلين عن أرضنا".
وبين أن الأولوية الرابعة تكمن في "الانفتاح على المجتمع الدولي، فهناك تغير واضح وملموس في الرأي العام الغربي، حيث لم تعد الرواية الصهيونية هي الحاضرة ولم تعد (إسرائيل) هي ذات المكان التي كانت تحتلها في أوروبا وأمريكا".
وتابع القول: "في معركة سيف القدس كان هناك حراك عالمي غير مسبوق بدءًا من أمريكا وأستراليا"، واستدرك بالقول:" تفترض فينا المتغيرات البناء عليها بما ذلك الانفتاح على دول كبيرة ووازنة كالصين وروسيا إلى جانب إيران التي تسعى لبناء تيار كبير وعريض في مواجهة السياسة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة"
وختم هنية كلمته: "ما بين المتغيرات والاتجاهات والأولويات الاستراتيجية نحن بحاجة إلى ثلاثة عوامل مهمة، أولها: وحدة الشعب الفلسطيني ونحن في حركة حماس مؤتمنين على وحدة الشعب وحريصين عليها ونمد يدنا لكل أبناء الشعب للاتفاق على استراتيجية فلسطينية لتجاوز حالة الانقسام الداخلي ولو تطلب ذلك بناء جبهة وطنية فلسطينية تحمي الثوابت وترعى المقاومة وتشكل مرجعية على طريق إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى القوة والحلفاء على أكثر من صعيد وعلى أكثر من جبهة".